للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(أدولف) هي قصة القلب الإنساني في كل جيل من الأجيال، يقرؤها كل إنسان فيشعر أنها قد كتبت له، ويكاد يجد في نفسه في كل سطر من سطورها. . . وهذا هو الفن الإنساني الذي تتلقاه الإنسانية جديداً على مر الزمن!. . . الفن الذي يأخذ مادته من أعماق النفس، ونبضات القلب، وأغوار الحياة.

وعلى ذكر القصص الإنساني أقول إني شاهدت منذ أيام في إحدى دور السينما قصة من القصص النادرة، تدور حوادتها حول حياة الموسيقار روبرت شومان. . . ولن أنسى أن هذه القصة قد هزتني هزاً عميقاً، لا بموسيقاها ولا بروعة تمثيلها، ولكن بما حفلت به من لمسات إنسانية نفاذة استطاع كاتبها أن يدفع بها إلى مكامن الشعور في النفس الإنسانية؛ ولقد خرجت بعد انتهاء العرض وأنا أستعيد في نفسي بعض تلك اللمسات التي حشدها الكاتب في قصته ليصور بها الجانب الإنساني في حياة شومان. . . ولعل مشهداً وحداً من مشاهد هذه القصة يقف وحده متفرداً ليترك أثره العميق في النفس والحس؛ هو ذلك الذي ظهر فيه شومان وزوجته وتلميذه يهيئون طعامهم بأيديهم بعد أن تخلت الطاهية عن خدمتهم. . هنا يقف الثلاثة حيارى أمام دجاجة!. . لا تقوى نفوسهم الفنانة الشاعرة على ذبحها؛ نمسك الزوجة بالسكين فتخونها قواها فتدفع بها إلى زوجها، واضعة ثقتها فيه كرجل لا يرتاع لرؤية الدماء. . ويجمع الموسيقار أشتات شجاعته، ولكنها تتناثر هنا وهناك فلا يبقى إلا العزم الخائر أمام شبح الجريمة!. . ولا تجد الزوجة بدا من الاستنجاد بالرجل الآخر ليرد للرجولة كرامتها، ولكن الرجل الآخر ما يكاد يقترب من الضحية والسكين في يده حتى يرتد ضعيفاً مسلوب الإرادة أكثر إخفاقاً من صاحبه. . ولا تزال السكين حائرة بين أيديهم المرتجفة، ولا تزال الدجاجة على قيد الحياة!. . ويهتف روبرت شومان وهو ينظر إلى زوجته وتلميذه، يهتف من أعماق: لقد خلقت للعزف لا للذبح!!

بمثل هذه اللمسات الرائعة، ترتفع القصة في الغرب إلى آفاق مشرقة من الفن الإنساني.

وإذا ما تركنا الفن الإنساني في القصة إلى الفن الإنساني في التصوير، تبرز لنا لوحتان فريدتان هما (العذراء والطفل) لرفائيل و (الجيوكوندا) لدافنشي. وعلى كثرة ما أخرج عباقرة الرسم من لوحات للعذراء والطفل فإن لوحة رفائيل تقف وحدها متفردة، لا بظلالها وأضوائها وألوانها، بل بشئ آخر هو قوة الوجه. . . المعبر عن الإنسانية في أنبل

<<  <  ج:
ص:  >  >>