أن تكون مرت به سكين بارقة بيضاء وخرجت وردية حمراء.
والآن. . . ماذا بقى من حيفا هذه التي عرفنا. . . ماذا أبقت منها بلاغات الزعماء، وتصريحات الرؤساء، وأحقاد قادة العرب. يا ويلي حيت أتمثل أي شيء أبقت الحادثات من حيفا. . . إني لأجد النار التي تكويني، والسياط التي تؤذيني. . . إني أهرب من نفسي لأني أخجل من نفسي أن أقول الذي كان. . . ليس في يدي هذه الأداة الطيعة التي تنساب فوق هذه الأوراق، فقد كفرت بالأقلام والأوراق. . . وماذا يقول الكاتبون إن كتبوا. . . ويح الذين يسألونهم أن يكتبوا، كأنما يسألونهم أن يقصوا عليهم قصة من تاريخ قديم لأمة منقرضة، يزينون حواشيها ببلاغة القول، ويفيضون على أطرافها بريق الأدب، ويذهبون ببعض مواقفها في شطحات الخيال، وينمقون نظمها بروعة الأساليب، ثم يدعونهم أن ينعموا بما فيها من فن أو بيان؛ والمصيبة التي تحل في فلسطين مصيبتهم، والموطن الذي يُغتصب وطنهم، والأعراض التي تنتهك أعراضهم، ومواكب الذين أجلوا عن ديارهم أمام أعينهم في كل عاصمة من عواصم العرب. . . كأنما لا يزال هناك حاجة إلى حمية تستثار، وحماسة توقظ، ومقالات تكتب وتنشر.
وماذا يكتب الكاتبون؟ هل يسجلون الخزي، ويؤرخون العار؟. . . هل يقولون كان هنا مسجد فاندثر المسجد، وكان هنا سوق فسويت السوق بالتراب، وكان هنا حرمات وذكريات فديست الحرمات ودفنت الذكريات. . . أفيستطيع القائلون أن يقولوا كان هنا أعراض فانتهكت الأعراض، وكان أطفال ونساء فهام الأطفال والنساء على وجوههم؟ كان هنا مدينة عربية ثانية الموانئ العربية على البحر العربي ثم مرت بها ساعات مجنونة مسحورة فانتزعت من أهلها، وأطبق عليها الأعداء من فوق، في مثل سرعة اللص الغادر، وخفة المجرم المدرب، وتنظيم الكيد الميت. . . فلم يدعوا فيها أثراً لعروبتها. . . ثم طفقوا يغنون ويرقصون ويشربون على أشلاء القتلى وأنفاس المنكوبين الحرى. . . ثم مضوا يفعلون ويفعلون، وتتصاعد عشرة آلاف (وا معتصماه) من عشرة آلاف قلب، قلب طفلة غريرة، وفتاة نضيرة، وزوجة وفية، وامرأة حامل. . . ثم لا يكون في أمراء العرب، ورؤساء العرب، وأقطاب العرب، من مشارق الحجاز وهضاب نجد، وغوطة دمشق، وغابة بيروت، وظلال الوادي، (معتصم) واحد يسرع إليها بجيشه، لا يحميها، ولكنما