يتخذها جنة ووقاء لأعراضه وأوطانه التي سيسري إليها الداء. . . وإنما يكون فيها (معتصمون) بالهدوء يخافون لوم اللائمين في الدنيا ولا يخافنون عذاب الله في الآخرة وذلكة الخزي في التاريخ. . . ويرجون السيادة بعد أن انتزعت منهم صرة السيادة، ويأملون لذراريهم الخير ولن يبقى شيء من الخير لهم حتى يورثونه ذراريهم؛ ويلتزمون الحذر، وما هو إلا الضعف والخور. . . ويتدفقون بالأحاديث ولا يزالون، لا تحس فيها وهج النار، ولا تجد لها رائحة البارود، ولا تسمع لها قصف المدفع وثقل العتاد، ولا تشعر أن وراءها جلبة جيش ودوي تكبير. . . وإنما هي لا تزال تنضح بالعطف، وتنشر السلم، وتنثر الأزاهير، ثم لا تنسى أن تحتمي بآيات من كتاب الله وأحاديث رسول الله. . . والويل لهم من يوم الله. . . ما كان الله ليرتضي منهم هدوء الموت وسياسة الضعف، وحذر الجبناء.
أي عار هذه المذلة التي يلقاها العرب في محنتهم الحاضرة!. أي قدرة على الحياة هذه التي يستطيعون أن يباهوا بها، أن يتقدموا بها إلى العالم المتمدن برهاناً إذا ظل الكرمل هو الكرمل، وظلت حيفا في قبضته في إسار الذل وذل الهوان!. . . أي خديعة أرادها لهم هؤلاء الحياديون الذين يصدر عنهم الشر وينتهي إليهم الشر.
أي بلاهة سيرميهم بها التاريخ إن لم يرفعوا هذا الإصر، ويحطموا هذا الغل، ويستنقذوا الشرف الذي غلب عليه المكر، واصطلحت عليه عوامل الغزو والسلب، وبات طريداً شريداً تنزف من جراحه الدماء، من ورائه نار ومن أمامه بحر، ومن دونه ودون الإنقاذ قوم ينامون عى الوعود، ويستكينون للثقة، ويلينون لمعسول الأحاديث الخلب، ويؤاثرون أعداءهم بالأمن ويحملون إليهم السلام حملا على جثت من قتلاهم، وأشلاء من موتاهم، ودماء من دمائهم!!
كانت في هذه البقعة من الأرض حيفا عربية. . . ولن يكون في قدرة أحد من الذين يتطلعون إلى المجد العربي، ويعملون ليقظة الإسلام أن يتحدث عن الشعب العربي، عن توثبه، عن أمله العريض، عن جامعته ووحدته، قبل أن تعود حيفا عربية من ذروة الجبل إلى قدميه اللتين تستلقيان على شاطئ البحر وأمواجه، قبل أن يغسل هذا العار الذي يكسو كل هضبة من هضاب الكرمل ويقف عند كل ثنية من ثناياه، ثم يرمي بأرجاسه وأحجاره