يضع لهم مقالة ومقالات ثم يجادل الإمام على حيا، ثم يدعي بعد وفاة الإمام أنه لم يمت وأنه حي يرزق في السحاب.
ورجل هذا شأنه في الدسائس والفتن والمؤامرات أن من الواجب الإشارة إليه بشيء من التفصيل، والتنبيه عليه، وكان في وسع (معاوية) القبض عليه والتنكيل به بين الناس. ولم نجد في شعر الرثاء الذي قيل في قتل الخليفة (عثمان) واستشهاده ما يشير إلى هذا اليهودي الفاتن، وقد ورد من هذا الشعر في الطبري وفي البلاذري وغيرهما ما فيه الكفاية.
ويظهر من تأريخ الطبري أن المشاغبين الذين حاصروا المدينة وكانت غالبيتهم من المصريين كانوا يعرفون (بالبائية) كذلك، وانهم كانوا من المحبين للفتن وأنهم لما سمعوا خطبة (على بن أبي طالب) بعد مبايعته قالوا:
خذها إليك واحذرن أبا حسن ... إنا نمر الأمر إمرار الرسن
صولة أقوام كأسداد السفن ... بمشرفات كغدران اللبن
ونطعن الملك بلينٍ كالشطن ... حتى يمرنَّ على غير غنن
والظاهر أنهم شاغبوا على (علي بن أبي طالب) وأنهم تركوا العسكر ولم يمتثلوا الأوامر وأنهم كانوا يحبون الفوضى والخروج على النظام.
وإن الأمر بعد مقتل الخليفة أصبح فوضى، فثار العبدان على الرؤساء وخرج الأعراب لما تراءت لهم علامات الغزو وإمكان الانتقام من أهل المدن. وتجد هذه الفوضى واضحة مرسومة في خطبة (علي بن أبي طالب يخاطب بها طلحة والزبير) يا إخوتاه! إني لست أجهل ما تعلمون، ولكني كيف أصنع بقوم يملكوننا ولا نملكهم؟ هاهم قد ثارت معهم عبدانكم، وثابت إليهم أعرابكم، وهم خلالكم يسومونكم ما شاءوا فهل ترون موضعاً لقدرة على شيء مما تريدون؟ قالوا لا، قال فلا والله لا أرى إلا رأياً ترونه إن شاء لله، إن هذا الأمر أمر جاهلية، وإن لهؤلاء القوم مادة؛ وذلك أن الشيطان لم يشرع شريعة قط فيبرح الأرض من أخذ بها أبداً. إن الناس من هذا الأمر إن حرك، على أمور: فرقة ترى ما ترون، وفرقة ترى ما لا ترون، وفرقة لا ترى هذا ولا هذا حتى يهدأ الناس وتقع القلوب مواقعها وتؤخذ الحقوق. فاهدؤوا عني وانظروا ماذا يأتيكم ثم عودوا.
واشتد على علي قريش، وحال بينهم وبين الخروج على حالها. فلما ذكر له ذلك ذكر