للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وجهة فن الترجمة، ولذلك كثيراً ما نرى ابن النديم يقول في الفهرست (قام بترجمة الكتاب فلان وأصلحه فلان).

وكان من أسباب نقص هذه التراجم نقص اللغة السريانية نفسها وضيق أفقها بالنسبة للغة اليونانية التي تعتبر من أغنى لغات العالم وأوسعها دائرة، وقد كانت لغة الخطاب والتأليف قروناً عدة ألف بها أمثال هومبروس واشيل وتوسيديد وديموستن وبقراط وأفلاطون وأرسطو وغيرهم.

ومن أسباب نقص هذه التراجم غير ما ذكرنا عدم وجود مصطلحات علمية وفلسفية لدى السريان أو عدم معرفة مترجمي الحقبة الأولى منهم بتلك المصطلحات.

ومن البديهي أنه عندما ترجمت هذه الكتب المترجمة مع ما فيها من العيوب والنقائص التي يشير إليها بويون إلى اللغة العربية ازدادت عن أصلها بعداً وأضيفت إلى غموض الترجمة وإبهامها الشيء الكثير وأصبحت استفادة الطب منها من أصعب المشكلات.

يقول الشيخ الرئيس ابن سينا في ترجمة حياته التي أملاها على تلميذه أبي عبيد عبد الواحد بن محمد الفقيه الجرجاني

(وقرأت كتاب ما بعد الطبيعة فما كنت أفهم ما فيه والتبس على غرض واضعه حتى أعدت قراءته أربعين مرة وصار لي محفوظاً وأنا مع ذلك لا أفهمه ولا أعرف المقصود به، وأيست من نفسي وقلت هذا الكتاب لا سبيل إلى فهمه، فإذا أنا في يوم من الأيام حضرت وقت العصر في سوق الوراقين وبيد دلال مجلد ينادي عليه فعرضه على فرددته رد متبرم معتقد أن لا فائدة في هذا العلم، فقال لي اشتر مني هذا فإنه رخيص وصاحبه محتاج إلى ثمنه فاشتريته بثلاثة دراهم فإذا هو كتاب لأبي نصر الفارابي في أغراض كتاب ما بعد الطبيعة ورجعت إلى بيتي وأسرعت إلى قراءته فانفتح على في الوقت أغراض ذلك الكتاب بسبب أنه كان صار لي محفوظاً على ظهر القلب وفرحت بذلك وتصدقت ثاني يومه بشيء كثير على الفقراء شكراً لله تعالى)

ويفهم من هذا أن الترجمة كانت في بعض الأحيان ضعيفة ورديئة لدرجة أن قريحة كقريحة ابن سينا كانت تحتار في تفهم معناه وتيأس من ذلك.

فإن شئنا أن لا نعدو الحق والأنصاف في حكمنا يجدر بنا أن نذكر أن نشر العلوم اليونانية

<<  <  ج:
ص:  >  >>