يتردد صداها بين الفينة والفينة فيما ينظمون. وفي العصر المذكور كان سيل العجمة طاغيا على البيئات العربية، بسبب شدة اختلاط العرب بغيرهم من الأجناس، وبخاصة الجنس التركي الذي كان له حينذاك الحكم والسلطان. فكان لذلك أثره في سيادة العامية، فلا غرابة أن رأينا منها لوثة في ألسنة الشعراء. بل الغرابة في ألا تكون. والشعراء أقرب أنواع الأدباء إلى الشعب، وأدقهم حسَّابه، وأعمقهم إدراكا لما في بيئاته وأشدهم تأثراً بما في محيطاته.
غير أن بعض النقاد في العصر الحديث ينعى على هؤلاء الشعراء ما تهاووا إليه من أساليب العامة، ويتخذ ذلك ذريعة إلى وصفهم بضعف ثقافتهم وقلة بضاعتهم من العربية. وهذا - في رأينا - حكم جائر. فاصطناع الأديب للغة العامة، قد يغض من أدبه باعتباره أديباً عربياً، ولكنه لا ينبغي أن يتخذ دليلا على ضعف ثقافته أو قلة بضاعته. والشاعر المثقف تنسل إلى شعره أساليب العامة دون وعي منه ولو كان حريصاً. وذلك لألفتها وجريانها على لسانه في حياته العادية؛ والأدلة كثيرة في كافة عصور الأدب.
وصحيح أن بعض شعراء العصر المملوكي كان أمياً، ولكنه نظم بالعربية الفصيحة وهذه مفخرة للعصر، وصحيح كذلك - بجانب هذا - أن كثيراً من شعرائه، وممن اندست أساليب العامة إلى شعرهم، كانوا على جانب عظيم من الثقافة، ومؤلفاتهم خير شاهد على ذلك، كابن عبد الظاهر وابن فضل الله والعسقلاني وابن نباتة وابن الوردي والصفدي وابن حجة.
وإذا كانت أساليب العامة قد أخذت سبيلها إلى ألسنتهم، وظهرت أطيافها في أبياتهم بدافع الاختلاط والتأثر بحياة العامة ولغتهم، فهناك دوافع أخرى لا نستطيع أن نتجاهلها أو ننساها ومنها الرغبة في الإيضاح، وحب الدعابة والتفكه، والاستجابة لداعي البديع، فقد تحلو التورية أو يجمل الجناس، إذا روعي الاستعمال العامي. ومن هنا نفهم أن بعض الشعراء تعمد هذا الاستعمال لغاية من الغايات.
وليس معنى استعمال الأساليب العامية أن تظل عامية محرفة أو غير معربة، بل كثيراً ما تجري مجرى الفصيحة. وقد ينقذها اصطناع الشاعر لها مما تردت فيه من الابتذال.
ونحن نعرض هنا على أنظار القارئين نماذج من شعر العصر المملوكي، ذاكرين أن دراسة