آخر من الرسائل الرسمية. وقد جاء في مطالعة بعد الحمد والصلاة ما يلي في وصف الانتصار:
(إن خير النعمة نعمة وردت بعد الياس، وأقبلت على فترة من تخاذل املوك وتهاون الناس. فأكرم بها نعمة وصلت للأمة المحمدية أسباباً، وفتحت للفتوحات الإسلامية أبواباً. وهزمت من التتار والفرنج العدوين، وربطت من الملح الأجاج والعذب الفرات بالبرين والبحرين. وجعلت عساكر الإسلام تذل الفرنج بغزوهم في عقر الدار، وتجوس من حصونهم المانعة خلال الديار والأمصار. وتقود من فضل عن شبع السيف الساغب إلى حلقات الإسار. ففرقة منهم تقتلع للفرنج قلاعاً وتهدم حصوناً، وفرقة تبنى ما هدم التتار بالمشرق وتعليه تحصيناً. وفرقة تتسلم بالحجاز قلاعاً شاهقة، وتتسم هضاباً سامقة، فهي بحمد الله البانية الهادمة، والقاسمة الراحمة. كل ذلك بمن أقامه الله وجرده سيفاً ففري، وحملت رياح النصرة ركابه تسخيراً فسار إلى مواطن الظفر وسرى. وكونته السعادة ملكا إذا رأته في دستها قالت تعظيما له ما هذا بشرا. . .) إلى آخر هذا المكتوب.
وقد نظم أديب عصره وشاعره محيي الدين بن عبد الظاهر، هذه الأبيات يصف فيها جنود مصر ومغامرات بيبرس في حرب التتار، فقال:
تجمع جيش الشرك من كل فرقة ... وظنوا بأنا لا نطيق لهم غلبا
وجاءوا إلى شط الفرات وما دروا ... بأن جياد الخيل تقطعه وثبا
وجاءت جنود الله في العدد التي ... تميس لها الأبطال يوم الوغى عجبا
فعمنا بسد من حديد سباحةً ... إليهم فما اسطاع العدو له نقبا
واعتقادنا أن هذه الأبيات بقايا قصيدة طويلة بارعة للقاضي محيي الدين، وهي تحدثنا في طلاقة ووضوح بما كان ثم من شجاعة بيبرس وجنوده. فإنه خاض نهر الفرات بنفسه للقاء التتار على شاطئه الآخر، فاندفع جنوده في إثره خائضين، فدحروا العدو وشتتوا شمله. وفي البيت الثالث يصف الشاعر الجنود بأنها جنود الله، وفي ذلك دلالة على عقيدتهم في أنهم إنما يخرجون للجهاد في سبيل الله وحماية دينه. وقد أبدع الشاعر في البيت الرابع إذ يقول (فعمنا بسد من حديد) كناية عما يلبسون من درع وعما يحملون من سلاح، وعمالهم من كثرة، وعما فيهم من جرأة. وهذه أهم أدوات النصر، وقد انتصروا فعلا، فإن العدو لم