يستطع لهذا السد العظيم نقباً، وفي العبارة الأخيرة شيء من الاقتباس وفيه إشعار بتشبيه سدهم هذا بسد ذي القرنين.
وقد نظم الشاعر بدر الدين يوسف بن المهمندار في نفس الواقعة أبياتاً بديعة دقيقة الوصف رائعة التصوير تنضح بالمجد وتوحي بالفخار وتسجل عظمة أولئك الأسلاف الصيد، والغضافر الصناديد: ومن هذه الأبيات قوله:
لو عاينت عيناك يوم نزالنا ... والخيل تطفح في العجاج الأكدر
وقد اطلخم الأمر واحتدم الوغى ... ووهى الجبان وساء ظن المجترى
لرأيت سدا من حديد ما يرى ... فوق الفرات وفوقه نار تُرى
ومنها:
ورأيت سيل الخيل قد بلغ الزبى ... ومن الفوارس أبحرا في أبحر
لما سبغنا أسهما طاشت لنا ... منهم إلينا بالخيول الضمر
لم يفتحوا للرمي منهم أعيناً ... حتى كحلن بكل لدن أسمر
فتسابقوا هربا ولكن ردَّهم ... دون الهزيمة ريح كل غضنفر
وانظر حسن التعليل، أو توكيد المدح بما يشبه الذم، في قوله:
ما كان أجرى خيلنا في إثرهم ... لو أنها برءوسهم لم تعثر
ومنها:
وجرت دماؤهم على وجه الثرى ... حتى جرت منها مجاري الأنهر
والظاهر السلطان في آثارهم ... يذري الرءوس بكل عضب أبتر
ذهب الغبار مع النجيع بصقله ... فكأنه في غمده لم يشهر
ومن سلاطين مصر الأشراف خليل بن قلاوون، وقد حارب كذلك في بلاد الشام وفتح مدينة (عكا) الحصينة بعد أن رماها بالمنجنيق وهدم سورها وقلعتها. وكانت بيد الفرنجة. فمدحه القاضي شهاب الدين محمود الحلبي بقصيدة بائية في نحو خمسة وستين بيتاً. قال في مطلعها:
الحمد لله ذلت دولة الصلب ... وعز بالترك دين المصطفى العربي
هذا الذي كانت الآمال لو طلبت ... رؤياه في النوم لا ستحيت من الطلب