ما بعد عكا وقد هدت قواعدها ... في البحر للشرك عند البر من أرب
عقيلة ذهبت أيدي الخطوب بها ... دهراً وشدت عليها كف مغتصب
لم يبق من بعدها للكفر مذ خربت ... في البحر والبر ما ينجي سوى الهرب
كانت تخيلنا آمالنا فنرى ... أن التفكر فيها غاية العجب
أما الحروب فكم قد أنشأت فتنا ... شاب الوليد بها هو لا ولم تشب
سوران بر وبحر حول ساحتها ... دارا وأدناهما أنأى من العطب
مصفح بصفاح حولها أكم ... من الرماح وأبراج من اليلب
مثل الغمائم تهدي من صواعقها ... بالنبل أضعاف ما تهدي من السحب
كأنما كل برج حوله فلك ... من المجانيق ترمي الأرض بالشهب
ففاجأتها جنود الله يقدمها ... غضبان لله لا للملك والنشب
كم رامها ورماها قبله ملك ... جم الجيوش فلم يظفر ولم يجب
لم ترض همته إلا الذي قعدت ... للعجز عنه ملوك العجم والعرب
ثم أخذ الشاعر في مدح السلطان ثم وصف جيشه ووصف الحرب منوها بالأغراض المتوخاة منها، إلى غير ذلك من الأغراض الشعرية.
وفي عام ٦٩١هـ فتح السلطان الأشرف خليل قلعة الروم، فهنأه شاعرة هذا وهو القاضي محمود الحلبي بقصيدة رائية على نمط القصيدة السالفة في الروعة ودقة الوصف وجمال التصوير ووضوح المعنى. وقد بدأها بوصف راية السلطان وهي صفراء اللون، فكان له من اصفرارها ممد جميل لوصفه قال:
لك الراية الصفراء يقدمها النصر ... فمن كيقباذإن رآهاو كيخسرو
إذا خفقت في الأرض تهدي بنورها ... هوى الشرك واستعلى الهدى وانجلى الثغر
وإن نشرت مثل الأصائل في وغى ... جلا النقع من لألاء طلعتها البدر
وإن يممت زرق العدى سار تحتها ... كتائب خضر تحتها البيض والسمر
كأن مثار النقع ليل وخفقها ... بروق وأنت البدر والفلك والبحر
لها كل يوم أين سار لواؤها ... هدية تقليد يقدمها الدهر
وفتح بدا في إثر فتح كأنما ... سماء بدت تترى كواكبها الزهر