كتاب واحد مما قرأت، وأخيراً بلغت بسيرته ارتقاءه للرياسة، وأعتقد أني وضحت ذلك جميعاً مع جهلي بتاريخ أسلافه، ذلك الجهل الذي لم تكن لي ولا لغيري فيه حيلة. . .
وثمة مسألة أخرى أخاصم ناقدي الكبير فيها خصاماً شديداً، وهي أنه ذكر عن كتابي أنه (ليس فيه إلمام كاف بسلسلة المصادفات المتوالية التي ساقته إلى رياسة الجمهورية)؛ وليسمح لي الأستاذ الكبير أن أقول له - وهو العليم الذي لا يُعلَّم - أن المصادفات إذا كان لها شأن في حياة بعض العظماء، فإن لنكولن أحد من تخلو حياتهم من المصادفات خلواً تاماً. ولعله أوضح مثل في هذا الصدد، وإلا فأي عصامية أقوى من عصاميته؟ وما عمل المصادفات في حياة نجار ابن نجار شق طريقه في الحياة كما كان يشق طريقه بين أحراش الغابة، فقيراً لا جاه له ولا نسب يعتمد عليه، ومازال يتكئ على نفسه حتى أصبح رئيس الولايات المتحدة؟ كلا، ليس للمصادفات دخل في حياة لنكولن، بل لقد كان تعترض له أشد الصعاب، وقد كان يخفق مرات فيما يسعى إليه، ولقد نافسه في حزبه خصوم شداد، وكاد يتغلب عليه سيوارد أقوى خصومه، فيظفر بأغلبية المؤتمرين من الحزب الجمهوري الذين أرادوا ترشيح رجل من الحزب للرياسة؛ ولقد كان هو ينتظر الفشل ويتحدث به إلى هرندن؛ وإذا كانت المسألة مسألة اختيار يقوم على الموازنة والخصومة، فأي دخل في ذلك للمصادفة التي تقوم على الحظ؟ ذلك - كما أسلفت - ما أخاصم فيه ناقدي الفاضل، وكنت أحب أن يضرب مثلا لأثر المصادفة في حياة لنكولن. والحق اني حرت في قوله (وقد كان من الجائز جداً ألا يصل إلى رئاسة الجمهورية، لأنه لم ينجح قط في انتخاب أو ترشيح إلا كان للمصادفة في اللحظة الأخيرة أكبر الأثر في هذا النجاح). ولكم يسرني ويسر قراء الأستاذ الكبير أن يصرب لنا بعض الأمثلة لما يذكر.
وذكر الأستاذ الفاضل عن الكتاب قوله: (وليس فيه تعليق على مقتله، ولا عن المتآمرين عليه (؛ والحق أنها جريمة غير محددة الدوافع أشبه بجريمة أبي لؤلؤة في ضيق نطاقها المعلوم. وأما بطل الجريمة فلم يذكر شيئاً، ولم يصل القصاص فيها إلا إلى ثلاثة أشخاص من شركائه؛ وخير ما يقال عن ذلك القاتل ما ذكره الأستاذ العقاد نفسه حين يقول: (وجملة ما يقال عنه أنه ممثل فاشل أراد أن يعوض فشله في أدواره المسرحية بهذا الدور من أدوار المغامرات المعهودة في تاريخ البلاد الأمريكية، ولولا عوارض شخصية في طبيعة هذا