والفتى السخي الكريم، يقال هو فتى بين الفتوة. وقد تفتى وتفاتى، وقد تناقل المؤلفون كلمة الجوهري من دون تمحيص أو تحقيق وهذا من عيوب كتب اللغة، فكأنها لتشابه ما فيها - كتاب واحد فلم يكلفوا أنفسهم جهد مراجعة الشواهد للتصرف في التعبير والتباين؛ فقال الفيروزابادي في (القاموس) الفتى الشاب والسخي الكريم؛ والفتوة الكرم. وقد تفتى وتفاتى، وفتوتهم غلبتهم فيها. وقال البستاني في (البستان): الفتى الشاب الحدث والسخي، والفتوة السخاء والكرم والمروءة. وقال في (أقرب الموارد) الفتى الشاب الحدث والسخي الكريم، والفتوة السخاء والكرم والمروءة. وقال في (المنجد) الفتى الشاب الحدث السخي الكريم. (فتايفتو فتواً) الرجل: غلبه في الفتوة أي السخاء والكرم. ها أنت ترى اللغويين هؤلاء قد تعلقوا بأذيال الكرم والسخاء هذه الفضيلة ذات القيمة الغالية في حياة الصحراء العربية المجدية؛ ولكنك تفهم من سياق أبيات المتنبي وطرفة بن العبد معاني بعيدة عما يحوم حوله علماء اللغة، فإنك تحس أنهما يريدان بالفتوة الشهامة والفروسية والرجولة وما يقارب ذلك من مظاهر القوة والصبر على المكاره والشدة وصلابة العود والنجدة؛ وإذن فإننا نكاد نتهم أصحاب المعاجم اللغوية في شرحهم لمعاني الكلمات. وقال في (محيط المحيط) الفتى الشاب الحدث والسخي الكريم، والفتوة السخاء والكرم والمروءة وعند أهل الحقيقة هي أن تؤثر الخلق على نفسك بالدنيا والآخرة. وعند السالكين كف الأذى وبذل الندى وترك الشكوى. وإني أرى أن هذا هو المفهوم لغة من النصوص المتقدمة الذكر. وقال الزمخشري في (أساس البلاغة) هذا فتى بين الفتوة وهي الحرية والكرم. قال عبد الرحمن بن حسان.
إن الفتى لفتى المكارم والعلى ... ليس الفتى بغملجالصبيان
وقال آخر:
يا عز هل لك في شيخ (فتى) أبداً ... وقد يكون شباب غير فتيان
(الغملج هو الذي لا يثبت على حالة، يكون مرة سخيا ومرة بخيلا ومرة شجاعاً وأخرى جبانا ومرة شاطرا وأخرى قارتا أي جامدا ساكتا: كذا في القاموس).
ولكن ابن منظور الأفريقي ينقل في (لسان العرب) عن القتيبي إنه ليس الفتى بمعنى الشاب والحدث إنما هو بمعنى الكامل الجزل من الرجال يدلك على ذلك قول الشاعر.
إن (الفتى) حمال كل ملمة ... ليس الفتى بمنعم الشبان