لها ولا نهاية، وقد عاشت قبل أن تحل بالجسم كما ستبقى وتخلد بعد فنائه، وأن جوهر الأشياء وحقيقتها لا يعرف عن طريق الحس والمشاهدة، وإنما الوصول إلى الحقيقة يأتي عن طريق هبة علوية روحانية يمكن تنميتها وترويضها عن طريق الجدل المنطقي والتأمل العميق، وهو ما يميز الفيلسوف - الذي هو لا غيره - القادر المقتدر على حكم الدولة حسب قوانين مثالية توحي بها العدالة ويمليها المنطق السليم.
يشارك أفلاطون في آرائه تلميذه وخليفته من بعده (أرسطو) الذي نجح في تدعيم آراء أستاذه بحجج قوية عن طريق المشاهدة والتجارب، ومن هنا كان أقل مثالية من أفلاطون وأقرب منه إلى الواقعيةوالمادية، كما امتاز أرسطو بآرائه في مسألة التطور التي أولاها الكبير من عنايته. أما عن كبار الماديين عند الإغريق فنذكر أهمهم وكبيرهم (ديمرقريط) الذي كان يعتقد بأن المادة تتكون من ذرات متناهية في الصغر في حركة دائمة سرمدية، وأن تلك الذرات غير قابلة للتجزئة أو التحطيم، وكان يعتقد في مادية الروح وتركيبها من ذرات مشابهة لذرات المادة، كما أن حقيقة الأشياء لا تعرف إلا عن طريق الحس والمشاهدة.
ولما كان يعتقد في مادية الروح فقد نفى عنها الخلود وهاجم آراء أفلاطون مهاجمة قوية يتعلق بأزلية الروح.
ظلت الحرب سجالا بين الفريقين إلى أن ظهرت الديانة العبرية بأحبارها، ومن بعد ذلك المسيحية بقسيسها، وشن رجال الدين من الطائفين حربا ضد الماديين، يستنكرون فلسفتهم ويحرمون تعاليمهم، فأفل نجم الماديين إلى منتصف القرن السابع عشر حيث بدأت النهضة العلمية فعادت إليه إلى الميدان من جديد وأهم الفلاسفة الماديين في ذلك العهد هو بلا شك (اسبينوزا) الذي كان من أصل يهودي برتغالي، ولجأت عائلته إلى هولندا حيث ولد وعاش فيها.
تأثر (اسبيتوزا) لحد كبير بفلسفة (ديكادرت) وألف كتابا شرح فيه آراءه في الفلسفة (والمتافزيقيا) وقد ثار عليه رهبان اليهود وطردوه من حظيرة دينهم على أثر مؤلفه (الدين والسياسة).
وفلسفة (اسبيتوزا) المادية فيها كثير من الغموض، بل والتناقض في بعض الأحيان وهاك