القصد فغلَّبوا جانب الحركات والإشارة، على جانب الكلمات والعبارة، فوجهوا التأثير للعيون لا للقلوب، وهيأوا الرواية للتمثيل لا للقراءة. وفاتهم أن العمل المسرحي مؤلف من الكلام والحركات. فلا الممثل متكلم لا غير كالمحدث، ولا هو متحرك لا غير كالخيال الشمسي، وإنما الكمال أن يُعنى بالطريقين جميعاً، فما كان من العمل قوياً مادياً علمياً أدته الحركة، وما كان منه جليلاً دقيقاً عميقاً كآثار العادات وصور الأخلاق وتباين العواطف وتضارب الأهواء وتعارض المنافع شرحته العبارة. فظواهر الغيرة والاشمئزاز والغضب تستطيع الحركات والملامح أن تؤديها واضحة جلية، ولكن تحليل القلب البشري وهو سر الجمال في أدوار ديدون واريان وفدر وهرميون لا يضطلع به إلا البيان المعجز. وهل يعلق بذهنك من القطعة الفنية بعد تمثيلها غير مواقفها الشعرية القوية التي أوحاها اليراع فانتقشت في لوحة ذهنك؟
إن العمل الروائي يتجه إلى العين أو إلى القلب تبعاً لطبيعته وملاءمته للبلاغة أو التصوير، ولكن الأثر الذي يحدثه في النفس عن طريق الأذن أهدأ وأبطأ ولكنه أبقى وأعمق، أما ما يحدثه فيها عن طريق العين فهو قوي فجائي سريع، ولكنه قريب الغور قليل البقاء، لأن الأذن إنما تنقل الفكرة وهي نامية ولود، والعين إنما تنقل الإحساسة وهي جدباء عقيم. ذلك إلى أن القطعة إذا قامت على الحركات فحياتها ومماتها رهن بقوة المسرح وقدرة الممثل. ولك فيما تشهده على المسارح المصرية من روائع الفن الغربية دليل قائم على صحة ما نذهب إليه، فإن بعض المتعسفين من أدعياء الكتابة ينقلونها نقلاً لفظياً، فيهدمون فيها ركن البلاغة وهو عمادها الأقوى، فتثير الضحك وهي فاجعة، وتستوجب الهزء وهي رائعة!!
ولا يقعن في بالك أنا نريد أن نضع من قدر الحركات أو ننكر أثرها في الفن، فإن ذلك ليس في حسابنا ولا هو مفهوم من كلامنا، وإنما نريد أن يوفي الكلام حقه من العناية أيضاً حتى تقوم الرواية على قدميها فلا تسير عرجاء ولا شوهاء
بقي علينا أن نعرض لمسألة دقيقة خلقتها فوضى الأدب في مصر، ودعوى كل أديب حق التشريع لهذه اللغة الأسيفة، وانصراف القادرين من الكتاب عن الأدب المسرحي انصرافهم عن كل جليل مثمر. تلك هي لغة الرواية! فقد يزعم بعض الكاتبين أن لغة المسرح