والمظاهر المختلفة. وبعض الشعراء قد يجنح في قصائده الوصفية، عن وصف موضوعها إلى ملابساته البعيدة. أما ابن مكانس فقد نظم في صميم موضوعه، ولم يخرج عنه إلا نادراً، ولم يخرج عنه إلا إلى ما يتصل به، ولم يخرج عنه إلا ليعود إليه.
ونستطيع أن نعدد الموضوعات الجزئية التي طرقها بوصفه، فمنها: المناجاة والتذكر، وذكر الظل، ونعت المنبت وما فيه من خمائل، وما يجوده من ماء، ولين الغصون واهتزاز القوام، وارتفاع الفروع، وتغريد البلبل، وتصفيق الموج، وتساقط الزهر، وتفضن اللحاء، إلى غير ذلك مما يتصل بالسرحة اتصالا مباشراً.
وقد أبدع ابن مكانس بعد ذلك في وصف النهر بعدة أوصاف منها أنه مرآة بدا فيها الحسن واللألاء، وبأنه يزري بنهر الأبله، وأنه عند تحريك النسيم له يبدو كفرند السيف، إلى غير ذلك. ومن هذه الأبيات قوله:
مالت على النهر إذ جاش الخرير به ... كأنها أذن مالت لإصغاء
كأنما النهر مرآة وقد عكفت ... عليه تدهش في حسن ولألاء
ذو شاطئ راق غب القطر فهو على ... نهر الأبله يزري أي إزراء
كأنه عند تحريك النسيم له ... فرند سيف نضته كف جلاء
ومنها:
كأنه حين يهدا زرقة وصفاً ... راووق عين بوجه الأرض شهلاء
ومما يذكر بهذه المناسبة أن التقي بن حجة روى في أحد كتبه هذين البيتين للأرجاني وهما قوله:
كم طعنة نجلاء تعرض بالحمى ... من دون نظرة مقلة نجلاء
فتحدثا سراً فحول قبابها ... سمر الرماح يملن للإصغاء
ثم رجح أن الفخر بن مكانس ولد منهما المعنى الذي يتضمنه بيته في السرحة وهو قوله:
مالت على النهر إذ جاش الخرير به ... كأنه أذن مالت لإصغاء
وقد انتقل ابن مكانس بعد وصف النهر إلى ذكر الحمامات الشادية على أراكها، بين هذه الحدائق الفيح، حتى أطربت عيدانها وأرقصت أغصانها. قال من ذلك:
من كل ورقاء في الأفنان صادحة ... بين الحدائق في فيحاء زهراء