كأنها تعدو صوب هذا القرص من الجمر،
كما لو كانت الطبيعة وكل ما يمدها بالحياة
يخشى الموت بعد أن فقد ضياه!. . .)
ومن عجب أن غبار المساء، أبى إلا أن يطير عن الأرض منتشراً في السماء، وأن زبد الموج آثر أن يطفو على وجه البحر رغوة بيضاء؛ فما بقى على الشاطئ إلا الشاعر حائراً أمام هذه المناظر، يرجع البصر في هذا السكون العميق، فتنحدر الدموع من عينيه على غير حزن، وتنهمر على خديه من غير أسى، فلا يدري ما الذي أبكاه، ولا يفهم كيف ذرفت عيناه. . .
٧ - (وطار عن الأرض عِثْيَرُ المساء،
وطفا الزبد على الموج رغوة بيضاء؛
فأْتبعتها بصري الحائر المنكسر،
ودعوعي - من غير ما يحزنني - تنهمر!.)
بلى أيها الشاعر أن حري أن تعرف ما الذي أبكاك!
أبكاك هذا السكون المفعم بالأسرار، وروعة الليل بعد ذهاب النهار!
أبكاك شعورك بالوحدة إذ رأيت الأفق البعيد خالياً ليس ليس فيه شيء، مضروباً عليه الحجاب لا يكشف من دونه سر، وكان فؤادك الذي عذبه طلب الحقيقة وأضناه طامعاً فيما يحيط بالأفق من أسرار؛ فلما اختفى من أمامك كل شيء تحركت شجونك، وأحسست لوعة تحرقك، فجادلت عيناك بالبكاء، لتلهمك الصبر والعزاء.
ولكن. . . أما يزال فؤادك فارغاً لا تجول فيه الأفكار، أم أوحت إليك هذه المناظر بفكرة جديدة تناجي بها هذه الطبيعة التي تصلى في محرابها القدسي؟. .
كلا. . إنك تفكر. . . ولكنك لا تشعر بما يتلجج في صدرك، فحاول أن تصف حقيقة شعورك، لترى صورة من تفكيرك.
٨ - (واختفى كل شيء. فبقى فؤادك المعذب،
فارغاً خالياً كالأفق المحجَّب. .
ثم تمثلت لي فكرة واحدة. . .