ولنعد إلى حديثنا الأول فنقول إنك واجد مما تقدم أن الخلفاء العباسيين قد إنبعثوا إلى الاستفادة من أساتذة مدرسة جنديسابور بحثاً عن المراحل العليا لهذا العلم ولوعا بالاستزادة من أنواره، وأن تطلبهم الطب لمعالجة مرضاهم بأسلوب علمي خال من الشعوذة جرهم إلى الاستكثار من باقي العلوم الطبيعية؛ والحديث بعضه يأخذ برقاب بعض فقامت النهضة العلمية ببغداد وكانت لها جذور من قبل في دمشق.
وهناك مدرسة ثانية للثقافة اليونانية كانت في حران، وقد حدث القفطي أن ثابتاً بن قرة كان من أهل حران وانتقل إلى مدينة بغداد واستوطنها، وكان الغالب عليه الفلسفة، وكان في دولة المعتضد، وله كتب كثيرة في فنون من العلم كالمنطق والحساب والهندسة والتنجيم والهيئة، وأن محمد بن موسى بن شاكر وصله بالمعتضد، وأن ثابتاً هذا قد جر علماء حران إلى بغداد فثبتت أحوالهم وعلت مراتبهم، وقد بلغ ثابت من المعتضد أجل المراتب وأعلى المنازل. ثم يستمر القفطي في رعض مؤلفاته. ويقول ابن أبي أصيبعة أنه لم يكن في زمن ثابت من يماثله في صناعة الطب ولا غيره من جميع أجزاء الفلسفة. وله تصانيف مشهورة بالجودة. وكذلك جاء جماعة من ذريته ومن أهله يقاربونه فيما كان عليه من الفضل. وكان ثابت جيد النقل إلى العربية حسن العبارة، وكان قوي المعرفة باللغة السريانية وغيرها. وقال ابن خلكان إن لثابت تآليف كثيرة في فنون من العلم مقدار عشرين تأليفاً، وأخذ كتاب أقليدس الذي عربه حنين بن إسحاق العبادي فهذبه ونقحه وأوضح ما كان مستعجماً فهي، وكان من أعيان عصره وأن محمداً بن موسى (الذي رباه المأمون وأنشأه في بيت الحكمة) وصله بالخليفة المعتضد العباسي فأدخله في جملة المنجمين. وبعد فإنك واجد الخليفة العباسي هو الذي شجع هذا الحراني على أن يقيم في بغداد ونشر لواء العلم حتى جذب إخوانه من سدنة الثقافية اليونانية في مدرسة حران. قال في ضحى الإسلام كان هؤلاء الحرانيون منبعاً كبيراً من منابع الثقافة اليونانية في العهد الإسلامي، وقد اتصلت مدرستهم بالخلفاء العباسيين بعد اتصال مدرسة جنديسابور وأول من اتصل منهم ثابت بن (٢٢١ - ٢٨٨هـ) وصله بالمعتضد بنو موسى بن شاكر الدين رباهم المأمون والقفطي أوصله واحد من الاخوة الثلاثة هو محمد كما ذكر ذلك ابن خلكان وابن أبي أصيبعة