الأذنين. وكانت تعدو حول الذكر وكأنها لا تراه، ثم ترقد على الرمل، حتى إذا ما اقترب منها هبت واقفة وجعلت تعدو. وكان الذكر نحيل الجسم مشبوب العاطفة. وكانت كل أنظاره تتجه إلى أنثاه، فتبعها واندفع نحوها كانا سعيدين مبتهجين خالي البال.
ولم تتعب الأرنب العجوز من النظر إليهما، واستمرت تراقبهما حتى اختفيا عن أنظارها بعد أن أجهدهما اللهو اللعب. وارتعشت أذناها كأنهما ورقتا شجر تتلاعب بهما الرياح.
ومرت الأيام والليالي، واختفى القمر وأظلم المكان، ولما ترجع الأرنب العجوز بعد إلى ضفاف الغدير. كانت تخشى مقابلة الصياد. ورقدت في أعماق الغابة المظلمة ولكنها كانت تجازف في بعض الأحيان فتخرج إلى العراء ليلا لتشاهد العاشقين يمرحان في بهجة وسرور.
وفي ذات يوم سمعت صَوت طلقة نارية أعقبتها أخرى ثم ثالثة على بعد كأنها ترداد لصدى بعيد. وأقبل الليل الدافئ وانحدر القمر خلف الأشجار العالية دون أن يظهر العاشقان في تلك الليلة الشاعرية التي تليق للعشاق.
لابد أن العدو الداكن قد اقتنصهما. وعندئذ طغى على الأرنب العجوز شعور من الفرح الشديد جعلها تقفز على الرمل الذي ما زالت تنطبع عليه آثار أقدام العاشقين المسكينين.
وسرعان ما سمعت وقع أقدام بشرية فولت هاربة. واخترقت الغابة حتى اقتربت من الضفة الأخرى للنهر، ورقدت هناك منزوية حتى مطلع الفجر في مكان لم تعهده من قبل.
وعندما أشرقت الشمس قامت من مرقدها. كانت الغابة قد أسدل عليها ستار من الضباب، وتساقطت قطرات الماء البارد من الأشجار. وذهبت الأرنب تستكشف، واندفعت في حفرة صغيرة. فرأت ما أثار عاطفتها على الرغم من أنها كانت جامدة العواطف. لقد وجدت عشا لصغار الأرانب رقد فيه أرنبان صغيران ممتلآ الجسم، يحملقان إليها بأعين ملتمعة. لابد أنهما نسل الأرنبين الذي اقتنصهما الصياد.
كان أحدهما يلعق رأس أخيه، وعندما رأى الأرنب العجوز نظر إليها، ثم جعل يشمها بأنفه المرتعش ثم انكمش خائفاً من جرأته هذه.
وتركتهما الأرنب العجوز وسارت في طريقها. ولكنها رجعت إليهما ثانية فرأتهما يمرحان ويلعق كل منهما الآخر.