كان ذلك اليوم قاتما باردا. وعندما أقبل المساء بدأت السماء تمطر. فرجعت العجوز إلى عشها القديم بين جزوع الأشجار على الضفة المرتفعة للغدير. واستمرت السماء تجود مطراً مدرارا. إن المطر معناه نهاية الطقس الجميل، وبدء الطمأنينة والوحدة، فسرعان ما يصير الرمل رخوا، ولن يجرؤ الصياد على عبور الغابة المنداة العارية.
ولكن. . . ما مصير هذين الأرنبين الصغيرين؟ وما الذي يحدث لهما هناك في عشهما الصغير؟ هل تذكرت الأرنب الوحيدة أولادها الصغار، ودفء عشها، وعطف الآباء؟ إنه من المعتذر معرفة ما جال في خاطرها في ذلك الوقت، ولكنها على أية حال تركت مخبأها عند الفجر وذهبت لترى الصغيرين. كان المخلوقان المسكينان نائمين وقد احتضن أحدهما الآخر. وكانا وهما مستغرقان في النوم كأنهما يتوقعان قدوم أمهما، فإنه عندما أقبلت عليهما الأرنب العجوز مدا أنفيهما وحركا آذانهما.
ونظرت إليهما العجوز بعينين مندتين بالدموع ومدت هي الأخرى أنفهما كأنها تشم رائحة العش.
وعادت السماء تهطل مطراً غزيراً. . . واستمرت سبع ليال وثمانية أيام حتى أحاطت الجزيرة غلالة قاتمة من الضباب والماء. وارتفع الماء وظل يرتفع حتى شارف مأوى الأرنب العجوز.
حاولت أن ترجع لتشاهد الأرنبين ولكنه تعذر عليها السير بقرب ملجئها من الرمال المتداعي المشبع بالماء. وأصبح من المستحيل عليها أن تصل إلى الوادي الصغير. وعادت السماء تمطر وتمطر، واستمعت الأرنب إلى صوت داو قادم من بعيد كأنه ضوضاء جيش معاد غاز يمر مخترقا الأرض مدمرا ما يصادفه.
كانت الأرنب تعرف ذلك الصوت جيداً. إنه هدير النهر المغتصب. فلم تجرأ على مغادرة عشها على الرغم من شعورها بالجوع ونفاذ ما تقتات به اللهم إلا أوراق الشجر الجافة. فاضطرت أن تظل دون طعام بعد أن وصل الماء إلى جذوع الشجر وأصبح من الخطر عليها أن تتحرك قيد أنملة.
وارتفع الماء وظل يرتع في سكون وحلكة. وظهرت الأرض والسماء والهواء كأنها كتلة واحدة من البرد والماء المضطرب.