للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مرضي من مريضة الأجفان ... عللاني بذكرها عللاني

بأني طفلة لعوب تهادي ... من بنات الخدور بين الغواني

من بنات الملوك من دار فرس ... من أجل البلاد من أصبهان

لو ترانا برامة نتعاطى ... أكؤساً للهوى بغير بنان

والهوى بيننا يسوق حديثاً ... طيباً مطرباً بغير لسان

لرأيتم ما يذهل العقل فيه ... يمن والعراق مجتمعان!!

ثم ليسمعوا ثانية ما قاله الشيخ في شرح البيت الأول - على سبيل المثال - (المرض، الميل، أقول لما مالت عيون الحضرة المطلوبة للعارفين من جانب الحق سبحانه بالرحمة والتلطف إلينا أمالت قلبي بالعشق إليها). فليت شعري ما هذا الالتواء، وعلام التستر بعد الوضوح؟ وإذا كنا نعلم أن صاحبته الأولى فارسية من بنات الملوك في أصبهان، فكيف يمكننا أن نفهم هذا الفهم الغريب؟ وهل يعيب الصوفي أن يسجل صبابته الأولى بشعر يتغنى به الناس؟! لعل الشيخ قد أراد يبرز للناس مقدرته العجيبة في التأويل والتخريج جرياً على ما أشتهر من ادعائه العريض!!

إن الذي يتعبنا كثيراً في غزل المتصوفين هو أننا نحمله حملاً على المعاني الروحية المقدسة، سواء أنطق بذلك أم لم ينطق، وهنا توجد المشكلة العويصة، فكثير من الأبيات تصدم العقول بأحجار ثقيلة، فلا يمكن أن تنطبق على الحقيقة الإلهية التي يعنيها العارفون، وهذا ما دفع بعض الشراح إلى التحامل الزائد على ابن الفارض رضي الله عنه، ولو أننا أوجدنا الفوارق بين النسيب الإنسي والغزل الإلهي لأرحنا عقولنا من التعب الشديد. وهل يعيب المتصوف أن يكون ذا لونين في غرامه ما دامت عاطفته ملتهبة في كلتا الناحيتين. وما دامت هناك فوارق زمنية تفصل بين النوعين، حيث أن المسلم به أن الهائم بربه لا يمكنه أن يلتفت إلى غيره بحال من الأحوال؟ وهل نقول لشاعر تصوف بعد أن قضى شبيبته في الغزل الحسي: مزق نسيبك الأول على حقيقته الإنسانية؟! لم كل هذا أيها الناس!!

على أن العواطف الآدمية في الغزل الإلهي تختلف عنها كثيراً في النسيب الإلهي، فالعاشق يذكر الغيرة والنحول، والسهد كما يذكر ذلك العارف، ولا ريب فالينبوع الدافق للشعر

<<  <  ج:
ص:  >  >>