للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

التوظف في المحاكم الحكومية الظالمة، والتعلم في المدارس والجامعات الإنجليزية التي تفسد عقلية الهنود، وشراء السلع البريطانية. كما طالبهم بمخالفة كل قانون جائر يضر بمصالحهم. وبعد أن تغلغلت مبادئ المقاومة السلبية في النفوس، وبعد أن بلغت حماسة الهنود من القوة بحيث لا يستطاع إغفالها، أعلن غاندي العصيان المدني العام في جميع أنحاء البلاد، وكان يظن أنه لن يحدث شيئاً يعكر صفو سلمية هذا العصيان، ولكن حدث أشد ما يبغضه إذ اصطدم الأهالي برجال الشرطة، فهاج الشعب، وأطلق الرصاص، وأشعلت النيران، وأريقت الدماء، فانتشرت الفوضى، وكثرت حوادث النهب والإتلاف. فأرغم غاندي على أن يوقف هذا العصيان ويعلنه ثلاث مرات متتالية، وعلى أن يصوم أربعاً وعشرين ساعة من كل أسبوع تكفيراً عن الدم الذي أريق، وقصاصاً لنفسه على فظائع بني قومه، حتى يشعرهم بهمجية عنفهم، ويلزمهم حد اللاعنف الذي يجب عن طريقه أن تنال الهند استقلالها.

وكان الصوم الثالث سببه ما بين الهندوكيين والمنبوذين من نزاع من أولى المشاكل الاجتماعية الهندية التي وجه لها غاندي كثيراً من عنايته. وذلك لما وجد الهندوكيين يحتقرون المنبوذين أشد الاحتقار، ويعتبرونهم أنجاساً، ويحرمون معاشرتهم أو الاتصال بهم. فحاول غاندي أن يمحو الفوارق الاجتماعية بين جميع الطوائف الهندية، ويعطي المنبوذين من الحقوق السياسية مثل ما لأي هندي آخر. فكان يظهر في كل مكان يؤاكل المنبوذين أو يعانقهم، حتى يشجع غيره من الهندوكيين على أن يتشبهوا به ويحسنوا معاملتهم. إلا أنه لم يقدر أن يقضي نهائياً على اضطهادهم للمنبوذين. ولكن حين قبلت الهند سنة ١٩٣٥ المشروع الإنجليزي الذي ينص على خضوع البلاد لحكم نيابي مؤلف من مجلسين أحدهما تشريعي والآخر للمقاطعات، تكون الحكومة مسئولة أمامها، ثم بدئ في توزيع المناطق الانتخابية لتأليف هذين المجلسين النيابيين، طالب المنبوذون بمناطق انتخابية منفصلة. فأيدهم الإنجليز في هذا الطلب؛ إلا أن غاندي رفضه مصرحاً بأن إعطاءهم مثل هذه المناطق يعقد مشكلة المنبوذين ويجعل حلها عسيراً، ويقضي ببقائهم على ما هم عليه من ذل وهوان، وهذا فضلاً عن أنه يزيد الشقاق بين الطوائف الهندية، ويقوي الخلافات الدينية التي تشكو منها الهند، وأعلن الصوم حتى الممات. وما كاد يمضي سبعة

<<  <  ج:
ص:  >  >>