يمزق قدميها وهي لا تشعر به حتى نبهها الحاضرون فليت شعري هل يحس بألم جسدي من يرى بعينيه أنوار السماء مهما مزق جسده الرصاص؟!
أفشوا إلى قلوبكم أيها القوم فأن الحق يتسرب إليها بدون استئذان؟
لماذا نسير في طريق معوج ولا نلجأ إلى الصراط المستقيم؟ ألسنا نعرف أن القرآن لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فماذا قال هذا الكتاب؟!
لقد ذكر أن امرأة العزيز جمعت صواحبها واعتدت لهن متكأ وآتت كل واحدة منهن سكيناً، وقالت (ليوسف) أخرج عليهن؛ فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن وقلن حاش لله ما هذا بشراً إن هذا إلا ملك كريم. فهل نمتري في ذلك بعض امتراء.
لقد أبدع اليافعي رحمه الله حيث قال في التعليق على هذه الآية الكريمة (وهذا في محبة مخلوق فكيف في محبة الخالق، ولا ينكر ذلك إلا من لم يذقه) وأنا أقول زيادة على ما تقدم، إن عدم الإحساس بتقطيع الأيدي كان تعله لامرأة العزيز وهي حينذاك مدعية كاذبة، فكيف ننكر نظائره على البررة من الأولياء، أما معجزة يوسف فهي تأويل الرؤيا بدون نزاع.
إذن فقد آن لنا أن نعترف بما قدمناه عن المتصوفين فنجزم أن الشبلي لا يحس بتقطيع لحمه، وأن النووي لا يشعر بتقاطر دمه؛ ونصدق قول الجنيد رحمه الله (كنت أسمع السري يقول: قد يبلغ بالعبد إلى حد لو ضرب وجهه بالسيف لم يشعر به. وكان في قلبي من ذلك شيء حتى بان لي أن الأمر كما قال).
والواقع أن هذه الخوارق العجيبة هي التي جذبت الخاصة والعامة إلى هؤلاء المتصوفين فكانوا أقوى سلطاناً من الملوك، وكان العارف يعتصم بجبل نازح فتخف إليه الوفود تلو الوفود، وقد يقول الرجل كلمة فترفع الخامل وتسقط النابه، بل أن أمراء المؤمنين كانوا لا يستنكفون من الخضوع لما يمليه الزهاد، وأخشى أن أعرج على شيء من ذلك، أخوض في حديث معاد!.
هل أتاكم نبأ أبي سعيد أبي الخير؟ لقد كان مريدوه يتضاربون بالسيوف حرصاً على ماء وضوئه، والسعيد من حصل على قطرة واحدة يضئ بها جبهته. ويذكرون أن قطعة صغيرة من قشر البطيخ قد سقطت منه، فتهالك عليها الناس واشتراها أحدهم بعشرين ديناراً. فهل بلغ هذه المنزلة في النفوس أمير أو وزير!! ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.