ويجمل بنا هنا أن نقف قليلاً نناقش رأي أحمد بك أمين في شاعرية حافظ، في مقدمته لديوانه:
(وقد سلم لشاعرنا من هذه الأمور ثلاثة، قوة العاطفة، وحسن الصياغة، وجمال الموسيقى. وأعوزه أمر منها وهو قوة الخيال.
(فأما عاطفته فقوية فياضة، وأكبر مظهر لقوتها إثارة نفس السامع والقارئ، فما يسمع شعره سامع، ولا يقرؤه قارئ إلا توثبت نفسه، وهاجت مشاعره، وعواطفه صحيحة لا مريضة والعاطفة الصحيحة هي التي تدعو لأن تكون حياتنا أسعد وأقوى الخ. . .
(وأما خياله فكان مع الأسف - خيالاً قريباً - قلل حظه من الابتكار، وقلل حظه من التصوير، قصر خياله عن أن يغوص في باطن الشيء فيصل إلى مكان الحياة منه، ثم يخرجه إلى الناس كما يشعر به، وقصر عن أن يحلق في السماء فيصور منظراً عاماً يجذب النفوس إليه)
ثم ضرب مثلاً قصيدته في مدح البارودي وقصته في ضرب الأسطول الطلياني لمدينة بيروت.
إن حكم الأستاذ أحمد أمين على عاطفة حافظ وحسن صياغته وجمال موسيقاه حكم صحيح:
ولكن حكمه على خيال حافظ، حكم مرتجل يحتاج إلى (نقض) وهو أشبه بالرأي الفطير، لا يقبل صدوره من رجل كالأستاذ أحمد أمين:
لقد قلنا عن قصيدته في ضرب الأسطول الطلياني لمدينة بيروت أنها ليست بمستوى شعر حافظ، مع أن لها ما يبررها، ولكن لا يصح أن نأخذها مقياساً لشعره وسنداً نحكم بمقتضاه لحافظ أو عليه.
وإذا كان أحمد بك يقصد من الخيال القصة بمعناها الصحيح فليست كل القصص خيالاً، وإن كان حافظ نحا نحواً قصصياً في بعض قصائده كما قدمنا.
ورب بيت واحد من الشعر فيه من الخيال أروع قصة!
فإذا تركنا (هذه القرينة) التي أتخذها أحمد بك أمين سنداً لإدانة شاعرية حافظ بالقصور والضحولة، وفتحنا ديوانه لنقرأ أي قصيدة فيه، راعتنا منه خطرات موغلة في الخيال