ومن أسى الليل ووجد الصباح ... وشهقة النهر
وسقتني ظمآن بين البطاح ... إلا من السحر
وقلت لي رفرف بهذا الجناح ... واشرب من السر
والسر في صدري
قيدت ساقيه بتلك الجراح!
هذه كلمات شاعر ينظر إلى الحياة من خلال (عدسة) فكرية مكبرة، تكشف الطريق إلى كل خفي من شعاب النفس، وكل تعريجة في منعطف الشعور هي كلمات فنان وأن شئت فقل كلمات إنسان؛ واستمع مرة أخرى لخفقة من خفقات القلب الإنساني، في لحظة من تلك اللحظات التي تمر لكل نفس ألهبتها سياط العذاب، وألهمتها فلسفة الحرمان. . . هناك في (مقابر السحر):
وهفا بالنفس ما يهفو بغصن في يد الإعصار يعول
ثم قالت كيف عن دمعي ومنك الدمع يا حيران تسأل؟
أن أكن فيك سكنت الجسم والجسم تراب يتنقل
فأنا طير بعرش الله لي عش، وبستان، وجدول
إنما أبكي لهذا القفص الداجي الكئيب المتململ
لم يجد أي عزاء في وجودي. . . كيف يغدو حين أرحل؟!
ولما طال المسير بشاعر الإنسانية، آمنت دموعه وكفر جفنه، ومن التقاء الكفر بالإيمان انبعث الهتاف الملتاع، وانطلقت الزفرة المحرقة، في طريقهما إلى الله. . هناك في (التراب الحائر).
رباه! ما أنا؟. . . هل وجدت على زمان الناس سهواً!
سويتني روحاً تمرد، لا يطيق الأرض مثوى
وأنا التراب! فكيف صرت هوى وتعذيباً وشجواً!
شرفات غيبك لا يتحن لغير من يبكي دنوا
وأنا إليك ذرفت أيامي فزاد دمي عتوا
ووقفت أحفر للجراح طريقها. . . فتعود شدوا!