ونقلة أخرى تقف بنا عند ظاهرة أخرى لا تقل عن الأولى استئثاراً باهتمام الناقد ولا إثارة لملكته الناقدة، ونعني بها ظاهرة الرمزية في شعر الأستاذ محمود حسن إسماعيل. . . هذه الرمزية هي التي تدفع بعض الناس إلى وصف شعره بغموض العبارة حيناً وجموح الخيال حيناً آخر؛ والحقيقة التي نقررها أنه لا غموض هناك ولا جموح، وإنما هو عجز العجالي عن التحقيق في أفق الشاعر، وقصور احساساتهم عن التجاوب والجو النفسي الذي عاش فيه، ذلك لأن الرمزية هنا تأتي مطبوعة لا مصنوعة، وأصيلة لا مقصودة. . . الرمزية المطبوعة هي أن يعبر الفنان عن طريق المعنويات، أما الرمزية المصنوعة هي التعبير عن الماديات بما وراء المعنويات، وفي هذا اللون الأخير من الرمزية يكون السخف والدجل والتضليل!
الرمزية في شعر هذا الشاعر تصدر عن منبعين أصيلين: التأمل العميق المنعكس من الحياة على النفس وهو ما يعبر عنه يا (الاستيطان النفسي)، وهذا هو المنبع الأول. . أما المنبع الثاني فهو (الفيض الشعوري) المنبعث من قوة الشخصية الشعرية أو رحابة الحقل الشعري؛ ومن هنا تطغي التهويمات الروحية التي تصبغ الشعر بصبغة الرمزية الأصيلة لا الرمزية المتكلفة، تلك التي لا تهدف إلا إلى الغموض والإبهام! استمع له يقول في (العزلة):