هنا لون من الرمزية لا يعجزك فهم مراميه حين تلقاه بشيء من الرويه وإمعان الفكر. . . كل ما في العزلة من خلجات النفس وخفقات القلب وهزات الشعور، تلك الانعكاسات المادية المحسة قد عبر عنها في هذه الأبيات بأشياء معنوية؛ (فالعيدان المصلية) بلا دين، و (الأغصان المستغفرة) بلا ذنب، و (الأنهار المتفجرة) من الأسرار، و (الأنفاس الصامتة) التي تدق كأجراس في معبد القلب، و (الحيات الساعية) من الساعات، كل هذه المعنويات التي تنبع من العقل الباطن يمكنك أن تردها إلى وقع العزلة على العقل الواعي؛ ذلك الميزان الشعوري الذي يسجل ما في الوحدة من مظاهر الرهبة والصمت، والرغبة في اختراق حجب الغيب، وبطئ النقلة في خطوات الزمن، وامتلاء الجو بالأسرار، واستجابة الوجدان لدعاء مجهول يوحي بالتعبد والصلاة. . .
وبمثل هذا التطبيق ينجاب ذلك الغموض الذي يطالعك في بعض قصائد الأستاذ محمود حسن إسماعيل حين تلقاه هنا أو تلقاه هناك. . في (عرفت السر) و (نهر النسيان) و (الخريف) و (جلاد الظلال) هاتان ظاهرتان أو ناحيتان؛ ويبقى أن نسجل ناحية أخرى لها وزنها عند الكلام عن الفن التصويري في الصياغة الشعرية، هذه الناحية تتمثل في الربط بين أجزاء الصورة الوصفية تتمثل في الربط الشعوري كما تتمثل في الربط التعبيري. . . ومن اتصال هذا بذاك، ومن التوفيق في اختيار الزوايا وتحديد النسب تكتمل الوحدة الفنية التي تخلق من الصورة الكاملة لوحة نابضة تتناسق فيها الجزيئات في نطاق المدركات الحسية والنفسية. . . هذه الظاهرة تستطيع أن تلمسها في (الشك) و (نشيد الأغلال) و (خمر الزوال) و (المعبد المرجوم) و (الانتظار)، وتعال نستمع له وهو يصف لحظة من لحظاته:
انتظر هنا. . . وطال انتظاري ... وهي في أعيني التفات وذعر
وسؤال لكل شيء حوال ... ي وإيماءة لكل طيف يمر
وانتباه، وغفلة، وربيع ... وخريف، وشيب زهر وعطر
وجناح يهفو، وآخر يهتاج وم ... ن بين ما يرفان طير
وأنا سبسب توهج منه ... لخطاها أيك رطيب وزهر
وهي لا أقبلت ولا عاد منها ... لشقائي بعودة الكأس خمر