إن اسماً من هذه الأسماء أدل عليها من اسم المقالة على إطلاقه، وقد عرفنا الأمالي والمسامرات والنبذ والعجالات في الأدب العربي فرأينا فيها مسحة من أسلوب المقالة كما شاع بين الأوربيين في العصر الحديث.
على أنني لا أدري هل أقرظ (جنة العبيط) أو أنقدها حين أقول إنها تشتمل على مقالات لا تنطبق عليها الصفة التي قيد بها كاتبها موضوع المقالة الأدبية. ومنها مقالة (أعذب الشعر أصدقه)، ومقاله (عن أدب المقالة) بعد المقدمة. . . فإنهما بريئتان من فضيلة التشعث والخلود من النسق المنطقي وضابط التنظيم إن صح أنها فضائل مشروطة جميع المقالات.
إلا أن فيلسوفنا عدو الفلسفة قد استطاع أن يحرص على هذه الفضائل وأن يتجنب المنطق والنظام في بعض المقالات الأخرى فلم يخطئه التوفيق، لأنه قد استطاع مع ذلك أن يقول شيئا تلذ قراءته ويستجيش الذهن إلى التفكير.
قال في مقال (النساء قوامات):
(إذا عشت في أمة هازلة حملك الناس محمل الهزل إن كنت جادا، وأخذوك مأخذ الجد إن كنت مازحا).
ثم قال:(ولست أرى لك حيلة سوى أن تقسم لهم في مستهل الحديث بالذي بسط لهم الأرض ورفع السماء أنك فيما تحدثهم به إنما قصدت إلى الجد ولم تقصد إلى المزاح).
وأحب أن أقول للكاتب الفاضل إنني أعرف هذه الخصلة جد المعرفة، لأنني كثيرا ما كنت من ضحاياها.
ومن ذاك أنني اقترحت مرة على مسمع من شيوخ عقلاء أن تعمد الحكومة إلى تجربة نافعة في كفاح الشيوعية، وهي إخراج الشيوعيين مرتين في كل يوم (طابورا) واحدا يمر كل يوم في حي من أحياء المدينة، ليرى الناس بأعينهم أي (خلق مقبلة) هذه التي تريد أن تقلب العالم على من فيه.
فضحك الشيوخ العقلاء!
وكتبت ذلك من قبل ومن بعد، فضحك القراء الألباء. مع أنني والله جاد؟؟ أقترح، ولا أزال مصرا على هذا الاقتراح.
أيرى صديقنا الدكتور نجيب أن هذه مقدمة مطمئنة في صدد الكلام على مقترحاته؟