أي شئ أنا الذي نال هذا ال ... عطف منكم، ما صحتي، ما اعتلالي
ما يرجى من مشهدي أو مغيبي ... ومكاني إلا من الطيف خالي
عندي الحائلان دون رفيع ال ... قدر من قلة ومن إقلال
بل لقد يذهب به تواضعه إلى افتقاد رقيق الحال من الأدباء. وسلوا أحياء القاهرة تجبكم أن خليل مطران أعرف الناس بدخائلها يزور كل أديب، ويبحث عنه أينما كان مأواه، ليعرف أفي مسرة هو أم في معسرة، أبه حاجة إلى عون يسدى إليه أم إلى هم يرفع عنه، أم إلى قلب كبير يواسي قلبه، أم إلى كلمة تشجيع يحفز بها همته، أم إلى رفقة تؤنس وحشته، أم إلى حديث شهي ينسيه علته. وحسبي في هذه السانحة أن أقول أن خليل مطران أن كان القلة القليلة التي أحاطت بالشاعر إبراهيم الدباغ يوم ألمت به أسقام البدن ويوم حرمته الدنيا بهجة الإبصار، فكان يقصد صومعته في زورات متتالية منتظمة غير متحرج ولا متردد وال معاند، وكان يؤثر مجالسة هذا الأديب على مسامرة الكبراء وذوي اللقب والجاه.
وخليل مطران قوة دفعة للأدباء. يرى هذا يوشك على التعثر فيقيمه، وذاك يسرف في انحرافه فيقومه، لا يبخل بالتشجيع ولا يضن بالثناء، ولا يدخر وسعاً في سبيل بعث الهمة التي تبطت، ورد روح النشاط التي خمدت.
أتيته يوما بكتاب ترجمته وقلت له: إني عليم بأمراضك مدرك أنك من طلعة الشمس إلى طلعتها في صبيحة اليوم التالي تبرح بك الآلام وتخضع لنظام دقيق عينه لك الأطباء؛ فهذه إبرة تحقن في جسمك مرات في اليوم، وهذه أنواع شتى من الأدوية تتعاطاها شرباً واحتلاباً وابتلاعا عدا الحمامات الساخنة وأعباء التدليك والتدهين. ورجوته بعد هذا أن لا يكلف نفسه عناد تلاوة هذا الكتاب، وحسبي فخرا أن أراه موضوعا في مكتبته.
فما كان من مطران إلا أن قضى الليلة ساهراً ليتلو الكتاب كلمة كلمة، غير مشفق على بصره ولا على صحته المتهالكة، ولا مترفق بيديه الكليلتين اللتين لا تقويان على حمل شئ، حتى إذا ما أوشك الصبح على البزوغ، كان صاحب القلب الكبير قد أتى على الكتاب جميعه.
أتدرون لم فعل مطران هذا، ولم عرض نفسه لخطر قد يصيب حياته أو يرد حالته الصحية القهقرى؟؟ لقد فعل الخليل ذلك ليستطيع في اليوم التالي أن يفوه لناشئ بكلمة تشجيع