للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

جهوده ذهبت أدراج الرياح واستمر الداء يتطور ويستفحل، ثم تولى علاجه طبيب ثان هو (ملفاتي) وثالث هو (برتوليني) وأخيرا الأستاذ (استاندنهايم) وهو طبيب الإمبراطور بتضخيم الأصوات فاستعمل منها مجموعة مازالت محفوظة في المتحف الخاص به والذي يؤمه الزوار من عشاق فن الموسيقى من كل حدب وصوب ولكن الفائدة كانت ضئيلة ولم يطق بيتهوفن صبرا على احتمالها فنبذها جميعها إلى جنب وظل سمعه يضعف رويداً رويداً.

وأخيراً نصحه أطباؤه بمغادرة فينا - فينا الجميلة عروس الدانوب والتي أحبها كثيرا فغادرها مرغما إلى قرية مجاورة وانقطع لقنه انقطاع العابد في محرابه والراهب في صومعته بتحف العالم من حين لآخر بأروع ما عرف في فن الموسيقى.

ولكن العزلة وحرمانه من مجالس الأنس وسمر الأحباب في فينا كل ذلك زاد من أحزانه وشقاء نفسه حتى ضاق ذرعا بالعيش واستعجل الموت وقد كتب في ذلك عدة مذكرات منها وصيته التي تركها لشقيقتيه (كارل) و (جوهان) نقتطف منها:

(ما أقسى المجتمع في حكمه على الفرد!! إن الناس كالقاضي المستهتر الذي ليس له من ضميره رقيب ولا حسيب فهو يدين المتهم البريء ويوقع العقاب من غير أن يكلفه نفسه مؤونة البحث والدراسة لقضيته! إن الناس يرموني بالصلف والترفع عن مجالسهم كما ينعتني البعض الآخر بالشذوذ وما دروا أن قلبي منذ نعومة أظفاري مفعم بالحب وتفيض في نفسي عاطفة البر والرفق بالضعفاء والمحرومين. وما ألحاني إلا تعبير صادق لما يختلج في نفسي من احساسات.

لقد مضى على أكثر من ستة أعوام وأنا أعاني من عاهتي الأمرين وتزداد حالتي المعنوية سوءا يوما بعد يوم كما فقدت الأمل في استرداد سمعي رغما عن الوعود الكاذبة التي يتمشدق بها الدجالون من الأطباء. لقد جفوت - كرها - مجالس الأحباب لأن كبريائي لا يسمح لي أن أقول لأحد من الناس أرفع صوتك وأجهربما تقول لأني ضعيف السمع أو عديمة!! إن العزلة تميتني حقا ولكن أين المفر؟! إن سخرية الناس وشماتتهم هما لا على نفسي أدهى وأمر.

يا أخوي التمسا من صديقي الأستاذ (شمد) أن يطالع الناس بحقيقة عاهتي بعد موتي حتى

<<  <  ج:
ص:  >  >>