للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

البديهي - مجال فسيح للنقاش والجدال، أما أن نستخرج منها المغزى الرائع، فنبين لقارئها كيف ينفع المعروف صاحبه فهذا ما لا تفكر فيه على الإطلاق، فلا عجب أن ضاعت لدينا قيمة هذه الأساطير!!

وقد يدهش القارئ لازدحام الأسفار الأدبية بأقاصيص الجن، بل ربما تعجب ممن عكفوا على اختلافها عكوفا دائبا، والحق أن هناك عوامل قوية فرضت هذا العكوف فرضا لازماً، حيث كان الواضع يجد في عمله مغنما وافرا يدفعه إلى الاستزادة والتوليد، فكثير من الناس - كما أسلفنا - يحرص على الإلمام بما في العوالم المجهولة من أسرار، وكأنه غضب أن يقف علمه عند ما يقع تحت سمعه وبصره، فعمد إلى استنطاق الأساطير وجمع الخرافات، وخاصة إذا كان فيما يحصله من الغرابة والطرافة ما يدعو إلى استيعابه، فهو يلجأإلى من يتوسم فيه المعرفة، فيمتعه بنادرة معقولة تدخل في هذا الباب، وما تلبث أن تسير بها الركبان من مكان إلى مكان، وهي في كل دقيقة تتزايد وتعظم، ويجري فيها الخيال الخرافي مطلق العنان حتى تخرج من دائرة المعقولات إلى حيز المحالات، وأنت تقرأ الأسطورة الجنية في كتاب متقدم فلا ستغربها، ثم تجدها انتقلت إلى كتاب آخر وقد اكتسبت كثيرا من المبالغة والتهويل فتفق عندها كالمستغرب، فإذا انتقلت إلى سفر ثالث بدت صورة مجرفة مضخمة، تتناكر مع الصورة الأولى تمام التناكر، فإذا كان التأليف المفيد لا يسلم من الافتعال الملموس، فما بالك بالسمر الذي لا يعرف القيود والحدود بل ينطلق من الأفواه كما شاء الخياليون. ومهما يكن من شيء فإن الأسباب الدافعة إلى الاختلاق لا تخرج عن عوامل ثلاثة: دينية، مادية، خلقية. وماذا نصنع وقد تكون لنا ثالوث مرح ساذج يمتع الأفئدة ويرفه عن النفوس!!

ونحن بادئون بالحديث عن العامل الديني، فنذكر أن مفسري القرآن ورواة الحديث، وأصحاب السير، قد ساهموا بنشاط وافر في هذا الميدان، فقد عولوا جميعا على استهواه العامة بما يقصون من أنباء، كما وقع في نفوسهم أن الغابة تبرر الوسيلة، فلا عليهم إذا وضعوا التفاسير الكاذبة، ولفقوا الأحاديث الموضوعة، ما دامت تجذب إليها القلوب وتدفع سامعها إلى الإيمان والتصديق، فإذا أراد أحد هؤلاء يحض على الصدقة - مثلا - لجأ إلى الخرافات المزعومة فأسهب فيها كما أراد، ثم لا ينسى أن يخص الجن بنبذ كريمة من

<<  <  ج:
ص:  >  >>