للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وعظة، فينتقل عن الحاكم بإسناده ما ملخصه أن أبى بن كعب رأى شبحا يأكل من تمرة، فقال له من أنت؟ وأمسك بيده فإذا هي كف كلب، فصاح به أجني أم إنسي؟ فقال بل جني! قال وما حمل على ذلك؟ فقال له: لقد علمت أنك تحب الصدقة فأحببت أن أصيب من طعامك لتثاب من الله، ثم أخبر الرسول بذلك فقال: صدقك الخبيث.

وإذا أراد أحدهم أن يدفع الناس إلى الاستغفار، وذكر الله لا ينسى أن يلم بحديث الجن فيذكر جانبا من استغفارهم وأدعيتهم، ويزيد فيحكى من الأخبار الملفقة مال نجد داعيا لنشره على القراء. وقد يبالغ بعضهم فيخص آيات من القرآن بفوائد نافعة هي إبعادها الجن عن كل مكان تقرأ فيه، وفي حياة الحيوان الكبرى للدميري صفحات مملوءة بهذه الأعاجيب!! وقد نسب أكثرها زورا وبهتانا إلىرسول الله، وليت شعري ما نقول لهؤلاء الذي أسدلوا على عقلوهم حجبا كثيفة حين اتعبوا أنفسهم في تسطير هذا الهراء.

على أن وضاع الحديث لم يبلغوا شأو رواة السير في هذا المضمار، فقد تفنن الأقدمون من المؤرخين في اختراع الأوهام الباطلة، أو على الأقل في تسجيلها بكتبهم المتداولة دون مناقشة أو تعليل، فما من كاتب متقدم بذكر بعثة محمد صلى الله عليه وسلم إلا تعرض لما قالته الجن في ذلك الشعر!! وما أوحته إلى الكواهن من غريب الأنباء. وقد يستغل كثير منهم ما ورد في القرآن عن الجن فيفسره كما يمليه هواه، وما ظنك بتفسير مشوه، لا يعمد إلى إيضاح المعنى وتركيزه بل يحيطه سياج مديد من الأساطير، كأن كتاب الله وصحف السيرة لا تفهم بغير هذه المحالات؛ وقد زعم بعضهم أنه ركب بحر الخزر فضللت ريح الشمالمركبه حتى بلغ جزيرة قاحلة ليس بها أنيس، فشاهد شجرة ضخمة قد استند إليها شيخ هائل، فتقدم إليه، فسأله الشيخ من انت؟ فقال من العرب؟ فجعل يسأله عن الجرهمي وعن فلان وفلان، حتى انتهى إلى عبد المطلب فسأله عن ابنه محمد الهادي، فقال له: قد مات منذ زمن، فشهق شهقة عظيمة، وانتفض كالفرخ، ثم أخذ ينوح ويبكي، وقال أنا السفاح بن الرقراق الجني، أعرق التوراة والإنجيل، وقد اختبأت في هذه الجزيرة يوم أن أطلقت الطوالق المقيدة، من وقت سليمان وكنت اطمع أن أرى محمداً، فإذا رجعت إلى المدينة، فأقرأ السلام على قبره وبلغه أطيب التحيات)!!

فهذه أسطورة مقتضية من مئات تدور حول التبشير بنبوة الرسول، ولا أدري كيف كانت

<<  <  ج:
ص:  >  >>