ولقد سريت على الظلام بِمغشَم ... جَلْدٍ من (الفتيان) غير مُثقل
قال: سرى وأسرى بمعنى واحد، وعلى الظلام: أي في الظلام ويجوز أن يكون وعلى الظلام في موضع الحال أي وأنا على الظلام أي راكب له، والمغشَم من الغشَم: وهو الظلم، فإن قيل إذا كان السرَى لا يكون إلا ليلا، فلم قال على الظلام، ولم جاء في القرآن الذي أسرى بعبده ليلا؟ قيل المراد توسط الليل والدخول في معظمه، والجلد: الصلب القوي. وقوله غير مُثقل: أي كان حسن القبول محبباً إلى القلوب، قال، وقال أبو رياش (المغشم) الذي يغشم الأمور ويخلطها من غير تمييز، وقيل المِغشم ههنا: من إذا اختفى عليه الطريق اعتسف أي ركب الطريق على غير هداية ولا دراية.
وروى في الحماسة لامرأة من طيء:
دعا دعوة يوم الشرى يا لمالك ... ومن لا يُجَبْ عند الحفيظة يكلم
فيا ضيعة (الفتيان) إذ يعتلونه ... ببطن الشرى مثل الفنيق المسدَّم
(الشرى مكان، والحفيظة الغضب أي استغاث هذا الرجل بهذا الموضع فلم يجب، وقولها يكلم: كناية عن الغلبة والقتل، والعتل: القود بعتف، يقال عتله يعتله، ويا ضيعة الفتيان: لفظه لفظ النداء ومعناه الخبر كأنها قالت ضاع الفتيان جداً إذ كان أعداؤه يعنفون في قودهم إياه وهو كأنه فحل مشدود الفم خوفاً من صياله، والفنيق: الفحل، والمسدَّم: المشدود الفم الهائج الممنوع، وإنما يفعل به ذلك إذا هاج خوفاً من فضاضه.
وقال جابر بن ثعلب الطائي:
وقام إلى العاذلات يلمنني ... يقلن ألا تنفك ترحل مرحلا؟
فإن (الفتى) ذا الحزم رامٍ بنفسه ... جواشن هذا الليل كي يتمولا
وتزري بعقل المرء قلة ماله ... وإن كان أسرى من رجال وأحولا
(أي لا تزال ترتحل ارتحالا ومرحلا انتصب على المصدر وجواشن الليل صدوره وأوائله وأحواله أكثر حيلة).
وقال أبو النشناش:
فللموت خير للفتى من قعوده ... عديماً ومن مولى تدب عقاربه
(أي الموت خير للرجل من قعوده راضياً بفقره وبإفضال مولى يؤذيه بالمن، ودبيب