إذا القوم قالوا من فتى لعظيمة؟ ... فما كلهم يدعى ولكنه الفتى
فهذه النصوص الأدبية أظن أن فيها الكفاية لمن ارتاب في دلالة فتى على الشهامة والفروسية، ونود أن ننبه القارئ الكريم إلى أن الفتوة في العصر العباسي كانت تطلق على اجتماع بعض المياسير على اللهو واللذات تجمعهم الملاهي والعبث والترف والسماع، فقد وصف عبد الله بن العباس بن الفضل بن الربيع حال الفتيان الذي كان يعاشرهم فقال:
في فتية بذلوا في القصف ما ملكوا ... وأنفقوا في التصابي العرض والنشبا
وجاء في (نهاية الأرب) فيمن شرب الخمر واشتهر بها، (ومنهم والبة بن الحباب الأسدي وهو الذي ربى أبا نواس وعلمه الفتوة وقول الشعر) ويفسر لنا أبو نؤاس تلك الفتوة التي درسها على والبة بقوله:
ما استكمل اللذات إلا فتى ... يشرب والمرد نداماه
هذا يغنيه وهذا إذا ... ناولهُ القهوة حياه
وقوله:
متيمُ القلب معناه ... جادت بماء الشوق عيناه
إن كان أبكاك الهوى مرة ... فطالما أضحككَ اللهُ
لا خير في العاشق إلا فتى ... لاطف مولاه وداراه
ودَافع الهجر وأيامه ... فالوصل لا شك قصاراه - (أي غايته)
وروى النواجي في حلبة الكميت أن أبا الهندي كان منهمكا في الخمر مغرماً بالشرب، ودخل حانة خمار فشرب عنده إلى أن غلب عليه السكر فنام، ودخل جماعة (فتيان) فرأوه على تلك الحالة فقالوا للخمار ما حال هذا؟ قال طيب العيش قالوا فألحقنا به فسقاهم حتى انتهوا إلى حاله فانتبه أبو الهندي فرآهم فقال للخمار ما حال هؤلاء؟ فقال مبسوطون، قال فالحقني بهم، فسقاه حتى لحق بهم، وانتبهوا فقالوا مثل ذلك إلى أن مضت عليهم عشرة أيام ولم يلتق بعضهم ببعض ثم أنشد أبو الهندي: