للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وسقطت قطعة النقود منه، ورن رنينها على الأرض. ولكنه لم يستطع قبض أصابعه الحمراء لالتقاطها. وجرى مبتعداً، وطفق يعدو إلى حيث لا يعلم. وكاد يبكي مرة أخرى. كان خائفاً مرتعباً، واستمر يعدو وينفخ في أصابعه، يائساً، وحيداً جزعاً. ولكن. . . ما الخبر؟ كان الناس محتشدين أمام زجاج نافذة وقد ظهرت على محياهم علامات الإعجاب لرؤيتهم ثلاث دمى صغيرة تتحرك وكأنما قد دبت فيها الحياة. كانت الأولى تمثل رجلا عجوزاً جالساً يعزف على كمان كبير، والدميتان الأخرتان واقفتان تعزفان على كمانين صغيرين وتحنيان رأسيهما ثم تحيي كل منهما الأخرى. وكانت شفتاهما تتحركان كما لو كانتا تتحدثان.

ظن الصبي بادئ الأمر أنها حية. ولكنه عندما استبان له أنها ليست إلا دمى، ضحك وتهلل. أنه لم يشاهد مثلها من قبل، ولم تكن تخطر له ببال. وألهاه ذلك المنظر عن شعور البكاء الذي انتابه. ثم شعر بمن يجذبه من ردائه، فالتفت خلفه فرأى غلاماً يلطمه على أم رأسه، ثم اختطف منه قلنسوته، ثم ألقاه على الأرض، فسقط الصبي مرتعباً، ولكنه سرعان ما هب واقفا وعدا مبتعداً عن النافذة وقد وجف قلبه فزعا، وطفق يعدو دون أن يدري إلى أين يذهب، حتى وصل إلى باب ساحة، فدلف إليها وتهالك على كومة من الأخشاب وهو يخاطب نفسه (إنهم لن يبحثوا عني هنا، في ذلك الظلام المدلهم).

وجلس منطوياً على نفسه، مبهور الأنفاس. ثم شعر فجأة بالسعادة تغمره، وزال الألم من أصابعه واستشعر الدفء وكأنه قرب موقد. فارتجف وصاح (عجباً! لا بد أني أحلم! كم هو لذيذ أن ينام المرء هنا. سأرقد قليلا ثم أعود بعد ذلك لمشاهدة الدمى (وابتسم وهو يفكر فيها، وقد تمثلت في خاطره كأنها مخلوقات حية. وسمع صوتاً حنوناً يهتف في أذنه قائلا (تعال إلى شجرتي. شجرة عيد الميلاد أيها الطفل).

وظن الصبي أنها والدته هي التي تهمس في أذنه. ولكن. لا. إنها لم تكن والدته. من الذي يناديه؟ ولم يجرؤ على النظر إليها عندما انحنت فوقه تحتضنه في الظلام. ومد يده إليها. وفجأة. . . يا إلهي. ما هذا الضوء الباهر؟ وما أجمل هذه الشجرة! أين هو الآن؟ كان في مكان جميل كثير الدمى. ولكن. . . كلا إنها لم تكن دمى، بل كانوا أولاداً نضرين في حلل قشيبة وقد تهللت وجوههم بشراً. وأقبلوا عليه من كل صوب يحيطون به ويقبلونه. وشاهد

<<  <  ج:
ص:  >  >>