وكان جناب الصديق السيد محمد التافلاتي نجل مولاي أحمد وهو ابن عم مولاي إسماعيل ملك المغرب، ينتهي نسبهم إلى سيدي عبد الله المحض، قد ورد إلى طرابلس من بيت المقدس، ولم يكن الشيخ قد اجتمع به قبل ذلك، فأرسل يطلب الاجتماع بالشيخ فسر به ولكنه لم يطل الإقامة، وكرر الزيارة. وذهب الشيخ بعد ذلك إلى قرية (المنية) لزيارة مقام النبي يوشع، وقرائه الأوراد، واصطحب معه زمرة من أفاضلها كالسيد علي ابن دبوس، وأخيه السيد محمد والسيد أحمد المفتي، ومن بيت السيري، الشيخ أبي حامد العمري، ومن أولاد السيرمي الشيخ عمر.
وأكثر الشيخ التافلاتي التردد على الشيخ، وكذلك الشيخ عبد الله، وتردد الشيخ عليه في المدرسة التي نزل منها في سوق الحدادين، وتوجه للمنية غير مرة وبات لدى الشيخ عامر الصعيدي. وورد عليه كتاب من الشيخ أحمد الميقاتي بالقدس، يبلغه حلول دار السلامة بسلامة، وضمنه سؤال طويل، عن بيت لسيدي عمر الفارض الذي يقول في مطلعه:(أروم وقد طال المدى، منك نظرة) فأجابه برسالة سماها (رفع السير والردا عن معنى قول العارف أروم وقد طال المدى). ثم كروا على زيارة يوشع بن نون، للوداع، وصحب كل واحد منهم زاد قناق، وجاء السيد محمد بن أحمد التافلاتي بصحن كبير من المغربية ما لها نظير فأكلوا بعد الشبع. وبعد العشاء أقاموا مجلس ذكر وكان الحادي الأخ إبراهيم الحرستاني، وغيره ممن صحب الشيخ في سيره الرباني.
وفي أول جمادى الثاني عزم الشيخ على التوجه للقدس، ولم ينثلج صدره إلا للتوجه في البر دون البحر، فبات ليلة الوداع عنده الشيخ مصطفى بن الشيخ سليمان الرفاعي، والسيد مصطفى القلا، والشيخ عبد الله وجماعته، وكانوا قد تجمعوا فوق الثلاثين، وتوجه الشيخ إلى بيروت وقطع نهر الديمور. ونزل في جامعها الكبير المعمور، ودعاه الشيخ مصطفى الحجيجي الشامي ومر بعد الظهر بصيداً، وقطع جسر نهر الكلب ليلا، أقام فيها خمسة عشر يوماً ينتظر السير براً فما تيسر إلا بحراً، فركب منها ضحوة وضل قبيل الغروب عكا، ونزل في جامع البحر، واجتمع فيها بصديقه القديم الشيخ أحمد، وسار بعد العشاء مع القافلة نحو جينين وقطع نهري النعائم والمقطع ثم أتى جينين وبات فيها ليلتين عند الحاج