وإذا بحثنا عن مناطق العزلة في أوربا وجدناها قليلة بالنسبة إلى ما هي عليه في أفريقية، وكثيراً ما تكون مناطق العزلة في أوربا نتيجة للسلاسل الجبلية التي تعوق اندماج العناصر. ومن الأمثلة على ذلك جماعة الباسك التي تسكن على جانبي جبال البرانس في أسبانيا وفرنسا حول خليج بسكاي، وهم يكونون شعباً خاصاً لا تؤثر فيه الأقسام السياسية ولا الطبيعية، ولذلك يعلل بعض العلماء وجودهم بأنهم بقايا لأجناس كانت تسكن شبه جزيرة إيبيريا وفرنسا، ثم طردتها عناصر شمالية وأخرى جنوبية إلى هذه المنطقة التي تحتلها الآن. وتتكلم جماعات الباسك لغة خاصة بها ليست متصلة باللغات الآرية، ولا تزال تحتفظ بعاداتها الخاصة أيضاً. غير أنه يلاحظ أن جماعات الباسك في أسبانيا تسير في طريق الانقراض نظراً لاختلاط الأسبان بهم، وربما كان هذا لازدحام المناطق بالسكان الذين اندفعوا إلى جهات الباسك لاستغلالها بعكس ما عليه الحال في فرنسا.
وتبدو آثار العزلة واضحة في أهالي الجزر البريطانية لتطرف موقعها، ولذلك وصلتها موجات الهجرة متأخرة، وليس معنى هذا أن الموجات المختلفة قد صعب عليها الوصول إلى الجزر البريطانية، فالبحر الذي يفصلها عن بقية القارة ليس عميقاً أو متسعاً، بل كان في الواقع عامل ربط أكثر منه عامل فصل. ولكن رغم كل هذا فموقعها المتطرف خصوصاً الأجزاء الغربية منها وجزيرة أيرلندا قد أعطاها ما يلائم حالة العزلة كما أن طبيعة البلاد وما نلاحظه من وجود السهول في الشرق والمرتفعات في الشمال والغرب قد جعل اتصال العناصر بعضها ببعض صعب، ولذا تعسر الموجات التي أتت من الشرق أن تؤثر كثيراً في الجهات الغربية، وكان في معظم الأحوال الوصول إلى الغرب يتم عن طريق الدوران حول الجزر البريطانية.
وقد أثرت هذه الحالة في تاريخ إنجلترا السياسي فهي لا تشترك في المسائل الخارجية إلا بقدر ما يمس مصالحها. وأصبحت سياستها الحربية تدور حول محور موقعها فحيث أنها جزيرة يجب أن تكون أقوى دولة بحرية في العالم، وإلا تسمح لأية دولة أخرى بالتفوق عليها في هذه الناحية. وهناك أثراً آخر لهذه العزلة في تطور النظم النيابية فيها حيث انتشرت الروح الديمقراطية بين سكانها لأن البلاد ليست في حاجة إلى قوة عسكرية دائمة بفضل موقعها الجغرافي، لذلك كانت السلطة الحاكمة تخشى محاولة الاستبداد بالحكم حتى