للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الاضطرار، والتناسب، وفي أي شئ يردان، وعلم لنا أن كلمة التناسب فقدت قوتها السحرية، إذ لا مكان لها في محل النزاع.

بقي أن ننفتل مسرعين إلى ما بقي من الألفاظ (جو الآية، وحسن الجرس، وتكرير المقطع)، والتي اعتمد عليها الأستاذ بعد التناسب في التوجيه لرأيه الذي أرتاه في كلمة (أشياء) الواردة في الآية، فهو يرى أن كلمة (أشياء) في الآية (لو وردت مصروفه لتكرر حتما مقطعان بلفظ واحد، وكان ذلك مخلا إلى حد ما بحسن الجرس والتناسق، ولا شك أن القرآن الكريمفي المكان الأول من رعاية التناسق والسلامة من كل مظان التنافر، وهذا من أعظم وجوه الإعجاز).

وكأن المفسر - على هذا - لو فسر تلك الآية خارجاً بكلمة (أشياء) عن جو الآية، ومعبراً بقوله: (يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تظهر لكم تشق عليكم وتغمكم) لجاز له أن ينون، لأن الأستاذ يقول: (فلو خرجت كلمة أشياء عن جو الآية لجاز عليها ما يجوز على سواها من الصرف والتنوين). وما رأي الأستاذ الفاضل في مثل هذا التعبير أو التفسير؟ أيراه بليغاً خالياً من التنافر؟ أو يراه غير بليغ؟ إن رآه بليغاً فقد سلم بأن تكرير المقطع مرتين بلفظ واحد سواء في الآية أو غيرها لا يخل بحسن الجرس والتناسق، وإن تخيله غير بليغ لتكرير المقطع مرتين فقد رَجع عما أرتاه من صرف الكلمة عندما تخرج عن جو الآية، والمفسر - كما تعلم - حريص على أن يكون تفسيره متناسقاً يطابق الآية ويقاربها.

وإلى هنا نرى أن التمسك بتكرير المقطع لا يقوى على التحليق طويلا، فقد هوى عندما سدد إليه الأستاذ أحمد العجمي مصوبته وأورد ما أورده من الآيات، وهل روى غلته ما أجاب به الأستاذ البشبيشي بعد ذلك؟ في الحق أن حجة الأستاذ العجمي ما زالت ملزمة، لأن كلمة (شئ) في الآيتين منونة، وليس فوقها علامة منعلامات الوقف كما هو المعهود في المصاحف، والقياس على هذا صحيح، وليس قياساً مع الفارق - كما يقول الأستاذ البشبيشي -: (إنه من الممكن، بل من الحسن الوقف على كلمة شيء) إذ يعد هذا ابتداعاً لم يرد عن الرسول عليه السلام. ويلزم من ذلك على رأيه أن الآية تكون خالية من التنافر عند الوقف بدون موجب، ولا تكون كذلك عند الوصل، وذلك أمر لم يعهد في آيات القرآن،

<<  <  ج:
ص:  >  >>