فلقد عاش أهالي الهند منذ القدم في غابات فسيحة غنية بشتى الغلات، فلم يجد الهندي صعوبة في العثور على طعامه وشرابه، وتيسر له بناء مساكن من أخشاب الأشجار، حمته من الحيوانات المفترسة، والطبيعة الهائجة. فتأثر الهنود بحياتهم الأولى في أرجاء غابات تحتوى على مختلف الخيرات، وتبلغ من الأتساع بحيث يمكنها أن تحتضن ملايين الناس، وتمدهم جميعاً بالطعام والشراب، وتوفر لهم المسكن. فنشأ الهندي منذ القدم لا يعرف الكد في البحث عن غذائه، ولا النصب في الحصول على مواد بناء مسكنه، لأن الغابات تضع كل ذلك في متناول يديه. فلم يشعر بعداوة الطبيعة، لأنها مهدت له سبل الحياة، كما لم يجد ضرورة لأن يمتلك أرضاً معينة، يقيم حولها حواجز وتخوما تقيها من طمع الآخرين، وتفصلها عما يمتلكه الغير، لأن كثرة ما في الغابات من خيرات متنوعة يسهل الحصول عليها، لم يدع أحداً يفكر في أن يخص نفسه بامتلاك شئ من دون بقية الناس، مادام كل شئ يحب أن يناله يمكن أن يفوز به بدون مشقة.
فلم يقف حائل بين الهندي والطبيعة فأحبها، وارتاح إلى الحياة في كنف حنانها، ودعا اتصاله الوثيق الدائم بها إلى ائتلافه بكل جزء من أجزائها، وإلى نجاة أفكاره من الرغبة الجامحة في بسط نفوذه على الطبيعة، أو امتلاك أرض يشيد حولها أسواراً خوفاً من أن يسطو عليها أخوه الهندي. ويعث جمال الطبيعة وتناسقها في نفسه شعوراً عميقاً بأن جميع مكونات الوجود في وحدة شاملة وأدراك أن كمال الإنسان في معرفة هذه الوحدة، وأيقن أن الطريق الوحيد الموصل إلى هذا الكمال، هو تلاشى فرديته في جميع محتويات الكون، أو بإدماجها في كل ما حوله من كائنات. فساقه هذا الشعور إلى أن يقصر حياته على تحقيق هذه الوحدة، واكتساب الوسائل الصالحة التي تساعده على إفناء ذاتيته في الوجود بأكمله. ولم يفكر قط في محاربة الطبيعة لأنه عرف أن الإنسان متحد بها، ولم يفكر قط في السيطرة على قواها، لأن أفكاره في اتحاد مع جميع الأشياء، ولأن قوى الإنسان متحدة مع قوى الطبيعة وأغراضه في الحياة تتفق وأغراض الطبيعة.
فتشبعت العقلية الهندية بحقيقة وحدة الوجود، وأصبح إدراك هذه الحقيقة الكبرى محور حياة قدماء الهنود، وموضوع دينهم، وغاية عبادتهم، وسبب سعادتهم القصوى. وأصبحت رغبة