وأجرى في أعواد الشعراء، ذوباً من البشر والرجاء، وصوباً من الينع والنماء.
وممن هوى إليه في حماة، شاعر مصر الكبير جمال الدين بن نباتة، بعد أن نبا به المقام في مصر، ولم يجد بها إلا عيشاً يابساً، ويوماً عابساً. فرحب به المؤيد، وأوسع له في بطانته مكاناً، ومن عطفه بستاناً، ومن صحبته إحساناً. فعاش في كنفه مكرماً أثيراً. يروح ويغدو في حماة، بين سفوحها ورباها، وينعم بطبيب رياها. ويصحب المؤيد أحياناً في رحلاته بين الغابات والوديان، والأدواح والقيعان. وعاش ابن نباتة حتى شهد موت المؤيد، فصحب ابنه الأفضل وأخلص له الود ووفى باعهد.
وإذا تصفحت ديوان ابن نباتة، بدا لك أثر حماة في شعره واضحاً. فإقامته بها وطوافه برحابها، واتصاله بملوكها، كانت موحيات إليه، وملهمات في كثير من قصائده. فله نحو عشرين قصيدة في مدح المؤيد، ومثلها في مدح الأفضل. وهي قصائد مشرقة حية، جمع فيها من أفانين الشعر أعاجيب. فمن غرر المديح إلى المليح ومن الوصف الدقيق إلى الخيال الرقيق، ومن الشوقيات الذاكرة إلى الخمريات الساكرة.
وترى في حمويات ابن نباتة هذه، بشاشة سافرة، ورواء ضاحكاً مستبشراً. اتضحت عليها طبيعة حماة، فبدت حسناء والشعر مرآتها، وغيداء وأبياتها. لا أقول إنها علمت بن نباتة الوصف فقد كان وصافاً. ولا دعته إلى العطف فقد كان عطافاً. وإنما فره بجمالها وصفه، وزاد بين يديها عطفه.
فمن غزله في صدر قصيدة مدح، بها الأفضل قوله:
صدودك يا لمياء عني ولا البعد ... إذا لم يكن من واحد منهما بعد
بروحي من لمياء عطف إذا زها ... على الغصن ما أنا والقد
وعنق قد استحسنت دمعي لأجلها ... وفي العنق الحسناء يستحسن العقد
من العرب إلا أن بين جفونها ... أحد شبا مما تجرده الهند
على مثلها يعصي العذول وإنما ... يطاع على أمثالها الشوق والوجد
عزيز علي العذال عني صرفها ... وللقلب في دينار وجنتها وقد
أعذالنا مهلا فقد بان حمقكم ... وقد زاد حتى ما لحمقكمو حد
وقلتم قبيح عندنا العشق بالفتى ... ومن أنتم حتى يكون لكم عند