سمحت بروحي للحسان فما لكم ... ومالي وما هذا التعسف والجهد
ومن خمرياته في مطلع مؤيدية قوله:
عوض بكأسك ما أتلفت من نشب ... فالكأس من فضة والراح من ذهب
واخطب إلى الشرب أم الدهر إن نسيت ... أخت المسرة واللهو ابنة العنب
غراء حالية الأعطاف تخطر في ... ثوب من النور أو عقد من الحبب
عذراء تنجز ميعاد السرور فما ... تومي إليك بكف غير مختضب
مصونة تجعل الأستار ظاهرة ... وجنة تتلقى العين باللهب
لو لم يكن من لقاها غير راحتنا ... من حرفة المتعبين العقل والأدب
فهات واشرب إلى أن لا يبين لنا ... أنحن في صعد نستن أم صبب
وإذا كان أثر حماة في شعر ابن نباتة واضحاً، فهو في إحدى قصائده أشد وضوحاً وأبين أثراً. وأعني بها قصيدة (مصائد الشوارد). وهي أرجوزة مزدوجة في نحو مائة وسبعين بيتاً، خرج ابن نباتة مع الملك الأفضل صاحب حماة في رياضة للصيد والقنص في وديانها. فألهمته رحلته تلك قصيدته المذكورة. بدأ فيها بوصف الرياض ووشيها، وما فيها من نور باسم وزهر ضاحك وعشب يانع، ونواعير حادية ومياه جارية. ثم وصف البروز إلى الصيد، والتضييق على الوحش في مساربه. والغلمة وما بأيديهم من البندق والأقواس اللدنة. ومواقع الأطيار ومراتعها. والأفق وقت المغيب، وسهود الليل، ويقظة الفتية تلمسا للفريسة. بينما يحلك الليل ويرزم الغيم. وهو بين هذا وذاك يصف جياد الصيد وكلابه وبزانه وصقوره وما إلى ذلك.
والقصيدة فريدة في بابها، بارعة في تصويرها، وقد نعود إلى عرضها في مقال جديد. ونذكر هنا منها أبياتاً على سبيل المثال، قال في المطلع يصف الرياض والنواعير:
أثنى شذا الروض على فضل السحب ... واشتملت بالوشى أرداف الكتب
ما بين نور مسفر اللثام ... وزهر يضحك في الأكمام
إن كانت الأرض لها ذخائر ... فهي لعمري هذه الأزاهر
قد بسطتها راحة الغمائم ... بسط الدنانير على الدراهم
أحسن بوجه الزمن الوسيم ... تعرف فيه نضرة النعيم