للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ليس الآن يا عزيزي. . في الصباح. فتمتم قائلا: حسناً ثم استدار وسار صوب الباب وأقفله وراءه في هدوء، وجلست في فراشها متصلبة الجسم حزينة القلب، لقد كذب عليها أولى أكاذيبه، أكانت هي الأولى حقاً؟ كم عدد الأكاذيب التي سبقت هذه الكذبة؟ وشعرت برغبة جارفة تدفعها إلى القفز من الفراش لتواجهه بخديعته وتقول له: التفت إلى. ثم ماذا؟ إنها تشعر بأنه لا فائدة من مواجهته، إنه ليكفى أن تنظر إلى وجهه، فيحدق إليها بطريقته المحبوبة، وإذا بشيء ينغلق خلف تلك العينين الرماديتين.

إن خوفها كان أكثر من ألمها، خوفها من أن تكون أمها على حق، ربما كان ولدها في حاجة إلى المزيد من الرقابة. وشعرت برجفة تسرى في جسدها، كان يجب عليها أن تواجه كل شئ دون موارية. وسمعته يتحرك في الحمام وهو ينظف أسنانه ويخلع حذاءه، ثم سمعت الماء يجرى على جسده، ووقع خطواته على الأرض، ومسح جسمه بالمنشفة، ثم خرير الماء المتساقط من الصنبور. كان له وقع غريب في أذنيها كأنه صوت لحن موسيقى واستمر الماء يتساقط. هاهو الآن في المطبخ يبحث عما يأكله كان يحاول ألا يحدث صوتاً حتى لا يقلق نومها. وانطفأ النور في المطبخ ولما تزل جالسة في فراشها، ثم استمعت إلى وقع خطواته تتلمس طريقها في الظلام وهو يسير في البهو وفى غرفة الجلوس، إن هذه الأصوات العادية كانت كأنها تجمع في ذاتها سر الحياة ربما كانت غير عادلة نحوه، يجب أن يكون هناك شرح مقبول لهذا الطلاء الأحمر، واستمعت مرة أخرى إلى خرير الماء التساقط وخيل إليها أن نغماته قد اختلفت عن ذي قبل. ومرت بيدها على وجهها، لقد فشلت في أداء مهمتها كأم، إن والدتها على حق، لو كانت قد تعهدت ابنها كما نصحتها لما كذب عليها الآن، إنه لم ينو الذهاب بتاتاً إلى تلك الحفلة، لقد حاول أن يخبرها بشيء الليلة، ولكنها لم تحتمل الاستماع إليه. وسمعت همساته صادرة وراء الباب تقول: (ألا زلت مستيقظة؟) فقالت: (ادخل) ربما كان من الأفضل لها أن تعرف كل شئ الليلة، وأقبل عليها وهو يحمل زجاجة قد امتلأ نصفها باللبن، وجلس على المقعد الكبير، ها قد حان وقت الاعتراف، وجعل يرتشف اللبن ثم قال فجأة: (لقد تركت الحفلة مبكراً. كان ذلك عند الساعة الثامنة. . .). فقاطعته قائلة: يا عزيزي. . . يخيل إلى أنى أسمعك وكأنك جالس تؤدى شهادة في المحكمة. كلا. لا أود فقاطعها قائلا وهو ينظر إلى وجهها وقد تدفقت

<<  <  ج:
ص:  >  >>