يقول (بياجيه) في كتابه (الحكم والاستنباط لدى الأطفال) وكتابه (فهم الطفل للعالم) وكتابه (بدء الحياة العقلية عند الأطفال) بأن أهم ما يميز عقلية الطفل ثلاثة خواص هي: (الواقعية) و (الحيوية) و (الاصطناعية)
فالواقعية لدى الأطفال ليست بواقعية الكبار، بل تختلف عنها اختلافاً كبيراً، فهي نظرة مغرضة متحيزة لما يحيط بهم من أشياء، وكل ما يقع تحت حواسهم - وما يكون منها خاصاً لتلك الحواس فقط - ينظرون إليه بلغة عواطفهم وبما يشتهونه أن يكون، كأنما كل شئ خلق لهم ومن أجلهم، وبعبارة أخرى لا يفرقون بين ما لهم وما لغيرهم.
والحيوية استعملها لأول مرة بعض علماء (الأنثروبولوجي) أي علم الإنسان، إذ وصفوا بها عقلية بعض الشعوب الفطرية التي لم تتطور عقليتها بعد، بل وقفت عند هذا الحد الصبياني؛ والذين يعبدون الجماد من أصنام وتماثيل أو الشمس والقمر، ويعتبرونها كائنات حية ذات حول وقوة.
كذلك الطفل في أول طفولته ينظر إلى بعض الأجسام من جماد كأنها كائنات حية ذات إرادة، فالقمر ينظر إليه ويتبعه، والسيارة تنقله من مكان لآخر لأنها منقادة مطواعة تقدم له خدمات عن وعي وإرادة. وقد يصطدم رأسه بالحائط فيتألم من ذلك وتثور ثورته فينهال على الحائط ضرباً عقاباً له على ما اقترف من ذنب، كما يغضب لأن لعبة من لُعبه لم تطاوعه ولم تسر على هواه فينهال عليها ضرباً ويوقع بها العقاب، وربما حطمها وهو يعتبرها كائنات حية ذات إرادة.
كذلك المعنويات لدى الأطفال ما هي إلا كائنات حية، فقد يتخيل الله كرجل وقور ذي لحية بيضاء وسيما جسيما، وليس فيما نذكر من غرابة أو شذوذ إذا علمنا بأن الإنسان الأول مر على هذا الطور، وما زالت بعض الشعوب البدائية تقف عنده في تطورها العقلي. فقدماء الإغريق والمصريين كما ورد في الإلياذة وما ارتسم على الجدران وأوراق البردي من نقوش، كانوا يتصورون الآلهة في صورة بشرية مجسدة حية لها خواص البشر إلا أنها تختلف عنهم في بعض الأوجه كالسيطرة والسلطان المطلق لتصريف أمور الكون وتنعم بنعمة الخلود والحياة السرمدية!.
أما الاصطناعية فهي تتلخص في اعتقاد الطفل أن كل ما يحيط به ويقع تحت حواسه ما