قال محدثي: أتعلم لم فازت قصة (البغل والإبريق) التي ذكرت شيئاً من أمرها، بالجائزة الأولى في مسابقة القصة بمهرجان الشباب؟
- أثمت شيء غير تقدير المحكمين لها؟
- هو تقدير المحكمين طبعاً، ولكن دخل في هذا التقدير عنصر آخر غير قيمة القصة الفنية، فلم تكن أحسن قصة قدمت على الإطلاق، وإنما رأتها اللجنة خير القصص الخالية من (فتاة الحب).
لم أكن في حاجة إلى المزيد لأدرك ما يرمي إليه محدثي، فمهرجان الشباب الأدبي نظمته وزارة المعارف، فهي أذن تحرص على الوقار والاحتشام في هذه المسابقات الأدبية، كما تحرص عليهما فيما يقدم إلى التلاميذ في المدارس من نصوص الأدب، فالمتبع في اختيار هذه النصوص أن تكون من أغراض غير الغزل كالمدح والرثاء والفخر والحكم والأمثال، وإن كان الحال قد تغير قليلا في السنوات الأخيرة إذ صار بعض الأساتذة لا يجد بأساً في قطع من الغزل (المعتدل) يجتذب بها التلاميذ ويحببهم في الأدب، ويسري عنهم عناء الحكم والأمثال والنصائح وما إليها.
جال هذا بخاطري على أثر ذلك الحديث. ثم قلت في نفسي: إن بعض المعاهد التي تشرف عليها وزارة المعارف، تقيم في بعض الأحيان حفلات عامة فيها تمثيل وغناء ورقص، وفي بعض هذه الفنون يختلط الفتيان والفتيات، وقد تقتضي الحال تمثيل الحب. ووزارة الشؤون الاجتماعية تشرف على المسرح والسينما والإذاعة وتكاد هذه الثلاثة تقوم على الحب من تمثيل وغناء ورقص، وكثيراً ما يكون فيها الحب الذي هو أكثر من الحب! والوزارتان تشتركان في استقدام الراقصات من أوربا كفتيات (الباليه) للتمثيل والرقص على مسرح الأوبرا.
ثم قلت في نفسي أيضاً: يا عجباً! للدولة شخصيتان، إحداهما متزمتة وقور والأخرى عصرية (اسبور)؟ ولم كانت الأولى من قسمة الأدب وظفر بالثانية سائر الفنون؟ قد يكون ذلك من طبيعة المشرفين على الأدب في الوزارة ومن طبيعة المشرفين على الفنون الأخرى في الحكومة وفي خارج الحكومة.