ازداد الاهتمام بمعرفة أسسها وإدراك ما كتب بها من مؤلفات في مختلف العلوم والفنون، لا للدرس والمعرفة فحسب؛ بل كذلك للاستيلاء على تلك المؤلفات نفسها كلما سنحت الفرصة؛ وهى المؤلفات التي ترجمها العرب عن الأغارقة وغيرهم عدا ما ألفوه، لكي يتمكن العقل الأوربي من الوقوف على مصدر حضارة العرب، وعلى ما تركه أرسطو وغيره من رجال المدرسة الأثينية والسكندرية من المؤلفات الزاخرة بالمادة العلمية للإفادة منها جميعاً.
وهكذا انتهى الأمر بظهور الكثير من الكتب القيمة باللغة اللاتينية أصلها عربي من تأليف علماء المسلمين ومن اشتغل إلى جانبهم من الشرقيين خلال القرون الوسطى الزاهرة في تاريخ الإسلام.
وجاء دور الانقلاب الديني في أوربا، وأهم ما يعنينا من آثاره انتشار الدراسات الشرقية وزيادة العناية بمعرفة اللغة العربية عندما كان (علم التفسير) من العلوم التي ترجع في أصولها إلى المصادر الشرقية لإيضاح نصوص الكتاب المقدس.
هذا إلى جانب الدور الخطير الذي لعبته البعثات التبشيرية الكاثوليكية لنشر المبادئ المسيحية في الشرق، فخصص البابا (أربان) الثامن في عام ١٦٢٧ لبعثة الدعاية الدينية فريقاً من رجال اللاهوت لدراسة اللغات الشرقية وفى مقدمتها اللغة العربية.
وصفوة القول أن الدراسة العلمية السليمة لهذه اللغات وعلى رأسها لغة الضاد لم تبدأ إلا منذ منتصف القرن الثامن عشر بعدما خرجت عن نطاق الكنيسة ودخلت في نطاق الاستعمار المنظم، فنذكر وليم جونز الإنجليزي الذي وجه نظر بلاده (بلغة السياسة) إلى الدراسات الشرقية وما ينتظر من ورائها من فوائد، وذلك في مقاله الافتتاحي بمناسبة إنشاء الجمعية الأسيوية في عام ١٧٨٤، كما نذكر سلفستر دي ساسي صاحب المجهودات البارزة للانتفاع بالمؤلفات العربية وكتاب العرب!
وإذا كانت الدراسات الشرقية في مختلف العلوم قد سارت على غير نشاط متشابه نتيجة الاهتمام بفروع منها دون الأخرى؛ فإن فجر القرن التاسع عشر قد عرف بأنه فجر النشاط الشامل لمختلف نواحي تلك الدراسات، فبدأ التخصص يظهر في أفق العلم ولا سيما بعد تأسيس الجمعيات العلمية في كل دولة من الدول العظمى التي اهتمت بالشرق، فنجد جمعية