الشعبي: بلى، أصلح الله الأمير.
الحجاج: ألم أعرفك على قومك ولا يعرف مثلك؟
الشعبي: بلى، أصلح الله الأمير.
الحجاج: ألم أوفدك على أمير المؤمنين ولا يوفد مثلك؟
الشعبي: بلى، أصلح الله الأمير.
الحجاج: فما أخرجك مع عدو الرحمن؟
الشعبي: أصلح الله الأمير، خبطتنا فتنة فما كنا فيها بأبرار أتقياء، ولا فجار أقوياء، وقد كتبت إلى يزيد بن أبي مسلم أعلمه ندامتي على ما فرط مني ومعرفتي بالحق الذي خرجت منه وسألته أن يخبر بذلك الأمير ويأخذ لي منه أماناً فلم يفعل.
الحجاج إلى يزيد: أكذلك يا يزيد؟
يزيد: نعم أصلح الله الأمير.
الحجاج: فما منعك أن تخبرني بكتابه؟
يزيد: الشغل الذي كان فيه الأمير.
الحجاج للشعبي: أولا انصرف.
وانصرف الشعبي. وعاش عيشة راضية حتى وافاه أجله المحتوم.
وكان سعيد بن جبير (سيد التابعين) ممن انضم إلى حركة ابن الأشعث وحرض القراء والناس على الحجاج وشهد معركة (دير الجماجم) مثل سائر فقهاء العراق أمثال عبد الرحمن بن أبى ليلى وأبو البحتري والشعبي وغيرهم. وهو القائل مخاطباً جيش أهل العراق: (قاتلوهم ولا تأثموا من قتالهم بنية ويقين، وعلى آثامهم قاتلوهم على جورهم في الحكم وتجبرهم في الدين واستذلالهم الضعفاء وإماتتهم الصلاة).
وكان معروفاً بصلابته وصراحته وعدم مبالاته، وهو القائل (لا تقية في الإسلام). ولو استعمل بن جبير شيئاً من المرونة لكان من الناجين بأنفسهم من عقاب الحجاج حتما. غير أنه لم يكن من الراغبين في هذه الدنيا. وقد طلب منه حارسه الذي جاء به من مكة إلى الحجاج أن ينجو بنفسه وأن يهرب والحارس راض في ذلك شاكر، ولكن ابن جبير لم يقبل أن يكون من الهاربين ولا من الذين يكونون سبباً في نكبة الغير.