وتضحيةً وعزماً وثباتاً في سبيل الفوز به. وهذا السلاح يتفق مع المزاج الهندي الروحي، لأنه لا يخرج على التسامح والحب والسلام، ولا يعتمد على العنف أو القسوة، ولا حتى يثير العداوة والبغضاء في النفوس وإنما ينشد إزالة قوانين جائرة، أو تحقيق استقلال شعب مستعبد عن طريق معاناة الألم والمشقة، كما كان يعاني الزاهد قديماً مثل هذه الآلام في سبيل فناء ذاته في الله. وبذلك استطاع غاندي أن يطلق الطاقات الروحية الكامنة في أعماق نفوس الشعب الهندي، ويفسح لها الطريق لتخوض مضمار الحياة السياسية، ويشهر في وجه الإنجليز سلاح (الستياجراها) أيْ سلاح (المقاومة السلبية) الذي ينقسم إلى قسمين أحدهما: العصيان المدني، والأخر: اللاتعاون.
أما عن العصيان المدني: فهو نوع من الإضراب العام السلمي، يمتنع الشعب أثناءه من أداء أي عمل خلاف الصلاة والصوم. ويستخدم كوسيلة لنيل حقوق مهضومة، أو لفوز باستقلال مسلوب، وكطريق لإلغاء مشاريع ظالمة أو لرفع ضرائب فادحة، مثل ضريبة الملح وقانون احتكار الإنجليز لصناعته. وقد يكون هذا العصيان كذلك نوعاً من المعارضة الدستورية، تبدو في صورة رفض طاعة قانون من القوانين الجائرة وعدم تنفيذه أو الخروج عليه، مثل صناعة أحد الهنود للملح المحذور صناعته على أهلي الهند. ويشترط غاندي في من يشترك في العصيان، أن يكون مالكا زمام نفسه مسيطراً على أهوائه، بحيث لا يضطر إلى أن يثير أي عنف أو يثيره أي عنف، حتى يخلو العصيان من الشغب، ويسير حسب الآداب المرعية، محافظاً على الأمن، محترماً للنظم المتبعة في البلاد. ولكي يضمن غاندي سلمية العصيان، حرص على إعداد الشعب له تدريجياً، علماً منه بأن الشعب حديث العهد به وغير تام الأهبة له، وليس من الحكمة أن يطلب منه مثل هذا العصيان، قبل أن يألف نظمه وأساليبه، وقبل أن يملك أمره النفس. فسن قواعد دقيقة لتنظيم حركات العصيان، وحصرها في ميادين يخصصها لهم غاندي، يشرف عليها منظمون مدربون على العصيان السلمي، وقادرون أن يمرنوا الشعب على تجنب العنف في عصيانهم وأن يحبطوا ما يمكن أن يحدثه الرعاع من شغب، قد يسبب اضطرابات وفتنا، تبيح النفوس، وتثير الفوضى، فتندلع نيران ثورية دموية، لا يعرف مدى نتائجها الوخيمة. ولا يكفي اجتناب الشعب الشغب ليضمن حسن سير العصيان وهدوئه، بل يتطلب كذلك قدرة نفسية على تحمل كل