طردت الاثنين من نفسي ورأيت العالمين عالماً واحداً، وبحثت عن الواحد وعرفت الواحد ورأيت الواحد ودعوت الواحد. هو الأول، وهو الآخر، هو الظاهر، هو الباطن. ولست أعرف آخر سوى (ياهو) أو (يا من هو).
ويتصور جلال الدين الذات الإلهية داخله في جوهر الكون وحالة في مخلوقاته، وأن المتأمل يرى ذات الله في كل الأشياء لأن الكون ما هو إلا مرآة تظهر فيها آثار صفاته وبديع حكمته تعالى فيقول (رأيت الأبد مرآة عامة لك، وفي عينيك رأيت صورة نفسي).
والله تعالى جلت قدرته محيط بالكون مطلع على أسرار خلقه يعلم السر والنجوى وإن كانت لا تدركه الأبصار، ففي نعمة الكثيرة وعطاياه المتعددة أكبر دليل على عظمته وسلطانه القاهر وحكمته السامية، فيقول جلال الدين في إحدى قصائده:
يا خفياً قد ملأت الخافقين، قد علوت فوق نور المشرقين،
ويعتقد أن الروح كانت في البدء إلهية متحدة مع الحقيقة العظمى، ولكن القدرة الربانية انفصلت عن الإنسان لتظهر، ويتجلى الموجود في المعدوم والباقي في الفاني، فبضدها تتميز الأشياء فالمداد لا يظهر إلا في الصحيفة البيضاء، والنور لا يتجلى ألا في الظلام، فيقول جلال الدين:(كنا جوهراً واحداً مثل الشمس، كنا بلا عيب وكنا في صفاء الماء).
والروح مرآة صافية تعكس نفس صاحبها، واحتكاكها بما هو مادي وانغماسها في حب الحياة ولهوها قد عكر صفاءها وشاب رونقها. والنفس أمارة بالسوء ميالة للهوى والمعاصي، فعلى من أراد أن يحظى بالمنزلة عند الله وينال رضاه، أن يتقرب إليه. ولن يبلغ هواه من التقرب إلا إذا كان نظيف الثوب طاهر الذيل خالياً من الأقذار، فليغسل ثوبه من المعاصي ويجل روحه من صدأ الهوى، وليتجمل بالصبر وتأديب النفس ومواصلة جهادها حتى تصفو المرآة فتعكس الصورة واضحة جلية، فإن لم يفعل ذلك فهو الشقي البعيد. (إذا أنت أنفت من كل مسحة فأنى لك أن تصير مرآة مصقولة؟).
وكان جلال الدين كثيراً ما يذكر في هذا المجال ما وقع بين الصينيين واليونانيين ليبين