كيف أن الروح إذا صفت أظهرت الشيء في أجمل صورة وأحسن اشكاله.
فيحكي (أن جماعة من الصينيين واليونانيين تخاصما أيهما أجود فناً؛ ولجاً في الخصومة، ثم تحاكما إلى السلطان فحكم بينهما، بأن أعطى كل فريق حجرة ليظهر فيها براعة فنه، وجعل باب كل منهما مواجهاً للآخر وقدم لهما ما يحتاجان إليه من ألوان وأدوات فأخذ الصينيون منها عدداً عظيماً، وأما اليونانيون فعمدوا إلى حجرتهم فصقلوا جدرانها وأزالوا ما بها من صدأ. وأخبراً ذهب السلطان إلى حجرة الصينيين فبهره بديع فنهم، ثم ذهب إلى اليونانيين فإذا بصورة مما نقشه الصينيون قد انعكست على الجدار فأزداد منظرها رونقاً وجمالا فشهد لهم بعظيم فنهم).
فاليونان بعملهم هذا يمثلون العارفين الذين طهروا قلوبهم وصقلوا نفوسهم فوصلوا إلى عين اليقين، فليس الأمر أمر زخارف وألوان وصور وأشكال، بل أمر صفاء وتطهير.
والذين يطهرون قلوبهم ويهذبون نفوسهم ويتخلصون من الأكدار ينجون من مجرد العطر واللون، فيرون الجمال في كل شيء وكل لحظة. وفي ذلك يقول:(إن روح الإنسان كالهواء المختلط بالتراب يحجب نور السماء فلا تستطيع العين أن ترى الشمس، وحين يصفوا الجو وينقشع التراب يصبح صافياً طاهراً.
ومن أغواه الشيطان وأضله الهوى، ثم أراد العودة إلى ملكوت الله وتاب عن ذنوبه، فالطريق أمامه واضح جلي جلاء الصبح، فعليه بتأديب نفسه وزجرها عن الماضي وإمارتها في نشدان المثوبة والغفران فالله يقبل التوبة من عباده ويعفو عن السيئات، وفي ذلك يقول جلال الدين:
(ما معنى تعظيم الله؟ اعتبار المرء نفسه حقارة خاوية).
(ما معنى توحيد الله؟ حرق المرء نفسه بين أيدي الواحد ذي الجلال).
فإحياء الروح وخلودها لا يتأنى إلا بإماتة النفس وإفنائها في ذات الله فيقول (إذا لم يسقط الزهر لا يبدو الثمر، وإذا لم يفن الجسم لا تسمو الروح، وإذا لم يكسر الخبر لا يمدنا بالقوة والحياة، وإذا لم تعصر الأعناب لا تعطينا خمراً).
وطريق التوبة طويل الدروب وعر المسالك كثير الأشواك، فإذا لم يكن الساعي إلى الوصل ذا صبر وجلد، سقط في الطريق صريعاً قبل أن يبلغ الهدف ويحظى بنعمة الوصل. فيقول