كل ذلك تقديم غير الصالح على الصالح والتكرير الذي يمل من الحسن ويزيد السخيف سخفاً.
تلك هي العلة الحقيقية في إذاعتنا المصرية، وهي ما يجب أن يعالج اولاً. أما مسألة النزول إلى مستوى الجمهور أو رفع الذوق العام، فتأتي في المرتبة الثانية. على أن هذه المسألة إن كانت تبحثها إذاعات البلاد المتقدمة في الثقافة والتعليم فلأن لها عندهم موضوعاً، لأنهم يتجاذبون الرأي بين مسايرة الجمهور في ثقافته العادية وبين الارتفاع إلى مستوى ذوي الثقافات العليا، أما عندنا فالجمهور عامي والغالبية أمية، فهل تكون مهمة الإذاعة (الدردشة) مع العامة والإبقاء على انخفاض الذوق العام. . .؟
ذكرى سيد درويش:
كان يوم الأربعاء ١٥ سبتمبر الحالي يوم ذكرى الموسيقى المصري الخالد سيد درويش، وقد مضى على وفاته ربع قرن فأحتفى بهذه الذكرى معهد الموسيقى الشرقي بالإسكندرية إذ أقام في مساء الأربعاء حفلة نقلتها الإذاعة إلى المستمعين. وذد كان من حسنات هذه الحفلة ما تضمنته من قطع غنائية وموسيقية من فن سيد درويش، فكانت خير تحية لذكراه وأفصح دليل على استحقاقه الخلود، وإن قصر القائلون في ذكراه فقد وفى نفسه بنفسه.
لقد جعل سيد درويش الموسيقى والغناء فناً معبراً مصوراً له موضوع، بعد أن كان مجرد أصوات للتطريب، واستوحى الببئة وعبر عنها وارتفع بذوقها. وأحس إحساس الفرد الممتاز بالآم الجماعة وآمالها فجمع في الهتاف بها بين القوة والجمال، وأثبت بعبقريته الفذة أن الفن الحقيقي هو الذي يحيي النفوس وهو يمتعها.
لقد ردد القائلون والكاتبون في ذكرى سيد درويش مآثره وأعماله فقالوا إنه أذكى الثورة سنة ١٩١٩ بأناشيده وألحانه، وإنه أدى على المسرح تمثيليات موسيقية كان لها أثر في الوعي القومي والتوجيه الوطني. ونحن الآن نسمع ذلك ونتلمس في حاضرنا ما يشبهه، فنأسى للرجوع إلى مجرد التسلية والتلهية، وانحصار التجديد في تصوير المشاعر المترفة.
ثلاثة عبروا عن الشعب وخاطبوه فأثروا فيه: سيد درويش في الموسيقى، وحافظ إبراهيم في الشعر، والمنفلوطي في الكتابة، وقد عاشوا جميعاً في الربع الأول من هذا القرن، أوائل في منحاهم ولم يتكرروا.