كما أنكره الصليبيون لأنه حرمهم سبل النجدات الأوربية، وتركهم فرادى في بلاد الشام، يحيط بهم المسلمون إحاطة السوار بالمعصم، وقد برهن الزمن على بعد نظر الملك الكامل إذ حفظ بهذه المعاهدة مصر من الغزو، وكانت أمل الإسلام والمسلمين في هذا القرن، واستطاع الصالح أيوب بن الكامل أن يسترد بيت المقدس سنة ١٢٤٤م وأحرق أحياءها الصليبية.
ثارت أوربا لعودة القدس إلى كنف الإسلام فجاءت حملة صليبية بقيادة (لويس التاسع) ملك فرنسا، واحتلت دمياط سنة ١٢٤٨م. فعسكر المصريون في قلعة المنصورة، وكان الملك الصالح يقود الجيش محمولا على محفة لمرضه، وأستنجد بالمسلمين فجاءوه من كل مكان، حتى اكتظت المنصورة بالعسكر، ورابط الأسطول المصري في النيل تجاهها، ولواؤه معقود (لبيبرس) ثم أشتد المرض على الملك فمات في نوفمبر سنة ١٢٤٩، وأخفت زوجته شجرة الدر موته، وحملته في تابوت سراً إلى القاهرة في جنح الظلام، وإمعاناً منها في الإخفاء، كانت تمد سماط السلطان كالعادة، وتوقع باسم السلطان على ما تصدره من أوامر، توقيعاً مشابهاً خطه لمهارتها في الكتابة، وأخذت البيعة لأبنه (توران شاه) على الأمراء والقواد، وأرسلت تستدعيه من الشام سراً. مع كل هذه التحوطات من شجرة الدر؛ علم الإفرنج في دمياط بموت الملك، فزحفوا إلى الجنوب براً وبحراً، واستولوا على فارسكور، ووصلوا المنصورة في ديسمبر سنة ١٢٤٠ يفصل بينهم وبين المصريين بحراً أشموم (البحر الصغير) وبدأت المناوشات وكان المسلمون ينفردون بمعرفة أسرار النار الإغريقية فأصلوا الفرنج بها براً وبحراً، ولم يستطع (لويس) بناء جسر على البحر الصغير، ولكنه وقف من خونة بلدة سلامون (غير المسلمين) على مخائض في البحر الصغير، فعبرته فرقة كبيرة من جيشه إلى بر المنصورة، وفاجأت المصريين على غير أستعداد منهم ولا علم، فقتل القائد المصري ووصل (الصليبيون) إلى أبواب (القصر السلطاني) وشجرة الدر تدير المعركة بجأش رابط فأصدرت أمرها لرجال الأسطول، فأسرعوا بقيادة بيبرس، وكانوا نحو ألف، وأطبقوا على الفرنج ومزقوهم شر ممزق، وقتلوا زهرة شبابهم، فلم يستطع الإفلات منهم الإ القليل. وكانت واقعة المنصورة هذه في فبراير سنة ١٢٥٠، وبعد عشرة أيام منها وصل توران شاه إلى الصالحية، فأعلن وفاة الملك الصالح لأول مرة،