وسلمت إليه مقاليد الملك، بصفة رسمية، ثم جاء إلى المنصورة وتسلم من شجرة الدر القيادة ومقاليد الأمور. وكان الصليبيون لا يزالون معسكرين بجدبلة، في العدوة الأخرى من البحر الصغير، والمؤن تأتيهم من دمياط بطريق النهر، فصنع المصريون سفناً حملوا أجزاءها على ظهور الجمال، وأنزلوها في البحر بعد تركيبها قريباً من دمياط، لتقطع الطريق على جيشه الفرنجة، فقامت بعملها خير قيام، وأشتد الأمر على الصليبيين وساءت حالتهم، ودب إليهم الجوع والوهن، وكانت النيران التي تطلقها عليهم حراقات المسلمين تزيد كربهم. فطلب (لويس التاسع) المفاوضة، ولكن المصريين لم يقبلوا، فأخذ ينسحب بجيشه في جنح الظلام، ولم يدر أن عيون المصريين منه بالمرصاد، فطاردوه طيلة ليله، ولم يسفر الصباح حتى أحاطوا بجيشه براً وبحراً قرب فارسكو، وهزموه شر هزيمة، وقتل من جيشه ثلاثون ألفاً غير من غرق منه في النهر. ولجأ الملك هو وخمسون من خاصته إلى قرية (منية أبي عبد الله). (ميت الخولي عبد الله)، وطلب الأمان فمنحه، وأعتقل بالمنصورة في دار القاضي فخر الدين بن لقمان، وأرسلت البشائر إلى جميع الأنحاء نذكر منها على سبيل المثال رسالة توران شاه إلى نائبه بدمشق يبشر المسلمين كافة بما منّ الله به على المسلمين من الظفر بعدو الدين، فإنه كان قد أستفحل أمره، واستحكم شره، ويئس العباد من البلاد والأهل والأولاد، فنودوا لا تيئسوا من رحمة الله وبذلنا الأموال وفرقنا السلاح، وجمعنا العربان المطوعة، وخلقاً لا يعلمهم إلا الله.
فلما كانت ليلة الأربعاء، تركوا خيامهم وأثقالهم وأموالهم وقصدوا دمياط هاربين، ومازال السيف يعمل في أدبارهم عامة الليل، وقد حل بهم الخزي والويل، فلما أصبحنا قتلنا منهم ثلاثين ألفاً، غير من ألقى بنفسه في اللجج، وأما الأسرى فحدث عن البحر ولا حرج، والتجأ الفرنسيس (الملك) إلى المنية وطلب الأمان فأمناه وأكرمناه، وتسلمنا دمياط بعون الله وقوته، وجلاله وعظمته.
وقد خلد أبن مطروح ما حل بهذه الحملة في قصيدته التي منها.